لم تلتفت الحكومة إلى دعوات تعديل قانون الاجتماعات العامة الذي ينتمي إلى عصر غير العصر. ولم يبادر مجلس النواب، حين كان منعقداً، الى طلب تعديله أيضاً. وظل هذا التشريع وسيلة لاتخاذ إجراءات لا تنسجم مع الطرح الإصلاحي ولا توحي بتجذر الاقتناع في المضي بمسيرة الدمقرطة. القانون يعطي المحافظين سلطة سلب المواطنين حقهم الدستوري في التعبير السلمي. وهذه سلطة مارسها محافظون من دون اعتبار لتناقض قراراتهم مع طروحات الإصلاح وأثرها السلبي على الحراك السياسي والاجتماعي في البلد.
منع محافظون اعتصامات ومسيرات وحتى ندوات ونشاطات ثقافية. فعلوا ذلك من دون الاضطرار لتسبيب مواقفهم أو حتى محاولة شرحها. ووضع بعض هذه القرارات الحكومة في موقف حرج حين تحدتها أحزاب وحركات فاعتصمت من دون ترخيص.
صحيح أن التشريع أعفى المحافظين من عبء تفسير أسباب عدم ترخيص المسيرات والاعتصامات. لكن المنطق يفترض أن تسعى الحكومة إلى كسب التأييد لقراراتها. غياب هذا الجهد يقود إلى الاستنتاج بأن الحكومة غير معنية بالرأي العام. ويفضي ذلك أيضاً إلى الاستخلاص أن هنالك استهتاراً بالحاجة إلى تكريس الثقافة الديمقراطية.
وتلك استنتاجات تحتاج الحكومة أن تتوقف عندها. فإن كانت جادة في طروحاتها الديمقراطية عليها أن تصحح خطأها. وإن لم تكن، فإنها تقف في وجه مصلحة البلد التي ستتضرر إن لم تترجم طروحات الاصلاح فعلاً حقيقياً تعكسه القوانين والممارسات.
لكن لا مجال لتعديل القانون الآن. مجلس النواب أنهى الدورة الأخيرة في ولايته. ولا مبرر لإصدار قانون مؤقت. فالديمقراطية المنشودة تستوجب عدم الاستمرار في التشريع بغياب السلطة التشريعية.
لكن فرصة تخفيف ضرر القانون إلى حين انعقاد مجلس النواب الجديد متاحة. يمكن للحكومة أن توعز للمحافظين التوقف عن ممارسات الصلاحيات غير الديمقراطية في التشريع. وهذا إجراء لا يحتاج إلا إلى إرادة سياسية تظهر أن الإصلاح ليس مجرد شعار يرفع بل استراتيجية راسخة.
وثمة حاجة ماسة لأن تثبت الحكومة أنها تمتلك هذه الإرادة. فصدقية الطرح الإصلاحي تتراجع. وهذا تراجع متوقع في ضوء قصور ما أقر من تشريعات (المطبوعات والنشر وحق الحصول على المعلومة والأحزاب)، ومع استمرار ممارسات مثل منع مسيرة أو اعتصام.