الدور التربوي المطلوب بين فضائين
في عصر يقف فيه العالم موحداً متكاتفاً في مواجهة "وباء جامح" لا يعرف للحدود معنى قامت الحكومة الأردنية باتخاذ حُزمة من الإجراءات القاسية منها تعليق الدوام في جميع المؤسسات التعليمية من جامعات ومدارس ورياض أطفال وحضانات، وأوقفت التجمعات العامة بمختلف مسمياتها من نشاطات رياضية وثقافية وغيرها، وأوقفت الرحلات العابرة للحدود الجوية والبحرية والبرية إلاَ للضرورة القصوى وعبر اتّباع مجموعة من الإجراءات الاحترازية مع الحفاظ على انسيابية النقل للبضائع من مختلف المعابر.
إن الحكومة الأردنية بجميع مؤسساتها التي تعمل على مدارس الساعة وتصل الليل بالنهار تدرك جيداً حجم تأثيرات هذه القرارات على المنشآت الإقتصادية والسياحية وتأثيراتها على التعليم ومؤسسات تقديم الخدمة وشركات النقل الجوي والبري ومشقة التنقل للمسافرين، ولكنها في ذات الوقت مضطرة إلى مواجهة وباء كورونا الجامح بكل الوسائل والطرق استدراكا لمشهد قد يكون أكثر قسوة فيما لو وقفت الحكومة دون اتخاذ اللازم من إجراءات وقرارات، فالحكومة وكافة مؤسسات الدولة اتخذت القرارات المناسبة حتى إن كانت قاسية تجنبا لما هو أكثر قسوة، وهذه تسجل لها لا عليها، والإجراءات الوقائية لاحتواء الوباء اتخذتها كثير من الدول، لأن كلفة الاستهتار أو التخاذل أو التباطؤ في اتخاذ القرارات والإجراءات المناسبة ستكون نتائجها كارثية على الوطن والمواطن.
لقد أصبح من المفروض علينا في هذا الوقت أن نكون أكثر يقظة في التعاطي مع الأحداث ومواجهة المواقف؛ لنساند الحكومة في قراراتها الوقائية والعلاجية للمشهد لنجسد عملياً مفهوم دولة التكافل والتضامن ليكون إنجازنا الوطني في مواجهة المستجدات باجتماع الإرادات وتوافق التطلُّـعات لكل مكونات الدولة الرسمية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني والقطاعات الإنتاجية، ولنشكل معا مزيجاً شعبياً ووطنياً للاقتراب أكثر من أبناء الشعب الأردني وملامسة احتياجاته بالتواصل معهم بكل الوسائل التي وفرتها التكنولوجيا الحديثة وتقديم المساعدة ووضع كل مواطن نفسه في خدمة الدولة ومؤسساتها ومساندة قراراتها، وقد أثمرت هذه الوسيلة نتائج عملية آتت أُكُـلَها في ما يجب وما يستحق.
إن موجات العصف الإخباري من مختلف القنوات والمواقع في مستجدات مرض فيروس كورونا يعطينا فكرةً واضحةً عما نواجهه، ولكنه لا يجب أن يبعدنا عن ما له تماس مباشر مع حياة المواطنين في كل شؤونهم؛ كقضايا التعليم والتعلم عن بعد، ومستقبل امتحان الثانوية العامة، والتفكير بها لا يجب أن يسبب لنا الخوف ، ففي موضوع التعليم أكّد وزير التربية والتعليم في هذا الشأن أن تعليق دوام المؤسسات التعليمية لا يعنى توقف العملية التعليمية وأن طرائق التعلم في العالم كثيرة وستوفر وزارة التربية والتعليم محتوى علمي لطلبة الثانوية العامة مجاناً عبر منصتها الإلكترونية إلى جانب البث التلفزيوني عبر القناة الرياضية الأردنية للمباحث الدراسية وعلى المدارس والمعلمين بشكل خاص وتوجيه الطلبة إلى متابعة تفعيل جميع وسائل التعلم عن بعد والتي أصبحت في عصر الثورة الرابعة أكثر مرونة وسهولة وفاعلية، لأن دور المعلم لا يتوقف على الأداء داخل الحصة الصفية بل هو دور مستمر لتوجيه الطلبة والإشراف على تعلمهم داخل وخارج الحصة الصفية والمعلم مكوّن رئيس للتعلم عن بعد من خلال استحداث وسائل وطرائق جديدة في مساعدة الطلبة على التعلم والبحث .
إن مشروع النهضة الوطني، وبرامج التصحيح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ، وضعت نفسها كأولويات في معركة اليوم التي أصبحت أشدَّ ضراوة وأكثر تأثيراً؛ لأنها تتصل بالناس مباشرة في كل لحظة وآن، وتخترق الحواجز والموانع، لتنفـذَ إلى العقول والأفئدة والنفوس، وقد شكلت حزمة قرارات الحكومة الأخيرة فرصة لمراجعة سلوكيات مؤسسات مجتمع مدني وقطاعات إنتاجية وأفراد؛ مما يحتم علينا التفكير في طبيعة اتخاذ بعض القطاعات أو النقابات لقراراتها ، وحالة التخبط التي تعيشها والمسببات الرئيسة لحالة المناكفة التي تؤكد ضرورة تجديد الخطاب الثقافي والتربوي والنقابي والحزبية ، وتطهيرها من الأفكار المتخلفة وكل ما من شأنه هدم استقرار الأوطان، وإحلال مفاهيم الوسطية والاعتدال والتسامح والموافقة للصحيح ، وتسخير الخطاب الإعلامي للصالح العام ولخدمة الخير والاستقرار، والتحلي بالمهنية الأخلاقية وحس المسؤولية والروح الإيجابية الهادفة بعيدا عن استغلال ظرف غير تقليدي تمر به البلاد والعباد لتمرير مواقف شعبوية لا قيمة لها وتحدث أثراً سلبياً هائلاً في المجتمع.
وفي الوقت الذي يجتهد فيه أفراد وجهات خارجية وداخلية مجهولة ومعروفة أجنادتها وأهدافها إلى محاربة النجاحات والقرارات الحكومية بذرائع ماكرة وخبيثة، عبر ملامسة العواطف مع عدو وهمي مفترض لتقويض الاستقرار والوئام في الأوقات الحرجة والحساسة من عمر الدولة, تستوقفنا مواقف بعض الشخصيات أو المؤسسات النقابية في تعاملها مع الإجراءات الحكومية بغياب تام لحس المسؤولية الوطنية عبر خلق فوضى وأزمة في أوساط المجتمع، وهي فلسفة مؤذية وكان يجب الأخذ الحرفي بالإجراءات بدلاً من الاسترسال في فرض الشعار والتفاصيل والرؤية الأحادية ونحن على أعتاب مرحلة المشروع النهضوي الوطني الجديد وصياغة مشهد العقد الاجتماعي القائم على فلسفة الدولة الوطنية وثوابتها الدستورية والتشريعية؛ لحياة تنسجم ونموذج الوطن المنتمي لقيادته، والناهل من معين العلم والمعرفة والحداثة والأصالة والمعاصرة.
وأخيراً، فإن المطلوب من إعلامنا ونقاباتنا وأحزابنا وكافة مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص أن تؤدي أدواراً محوريةً في غرس الوعي الفردي والجماعي، والتحلي باليقظة والتفكير النقدي، واستـقاء المعلومات من المصادر الأمينة الموثوقة، والحذر من الأكاذيب والإشاعات، وعدم التعرض للمؤثرات السلبية ولو بقصد التسلية، فالوقاية خير من العلاج.