كنت قد طرحت وغيري قبل عدة سنوات في مناسبات مختلفة فكرة أن يكون لدينا فضائية تربوية متخصصة تقدم دروسا في مختلف المواد وبرامج للتثقيف والتوجيه الأسري والتربوي، كما هو الحال في العديد من الدول العربية كمصر وسوريا والعراق وغيرها، وهي الدول التي كنّا أسبق منها في هذا المجال.
ففي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي كان لدينا إعلام تربوي محترم ومهني ومتابع من خلال الإذاعة المدرسية التي كانت تشرف عليها وتعدّ برامجها كوادر تربوية متخصصة. وكانت وزارة التربية والتعليم آنذاك تعمّم برامجها على جميع المدارس في المملكة ليتم ترتيب الجدول المدرسي للطلبة بما يتوافق مع هذا البرنامج قدر الإمكان، وكان المعلمون الأفاضل يأتون بالمذياع الذي كان يعمل على البطاريات لعدم توفر الكهرباء في معظم مدارس الأطراف آنذاك.
إضافة إلى ذلك كانت تقدم دروس متلفزة ومنتقاة من قبل ثلة من المعلمين الأماجد على شاشة القناة الأولى، وكان البث بالأبيض والأسود في أغلب مناطق الأطراف حيث كان الرائي(التلفزيون) يعمل على بطارية يتم شحنها دوريا في أغلب قرانا ومدننا النائية، قبل الانفتاح الفضائي الذي لم نحسن الاستثمار فيه فطغت سلبياته على إيجابياته، وما رافق ذلك من تسليع للتعليم أضر بجودته واتاحته.
وفي هذه الأيام ومع مداهمة (فيروس كورونا) العالمي لنا، صدرت تصريحات عن وزارة التربية والتعليم بالتزامن مع قرار الحكومة (الإلكترونية) تعليق الدراسة في المدارس وتعويض الطلبة من خلال( التعلم عن بعد)، وهو قرار محمود وإن جاء كجزء من منظومة الإدارة بالفزعة وهي ماركة أردنية خبرناها في أكثر من أزمة، واعتدنا عليها في السنوات الأخيرة بعد التراجع الكبير لمنظومة الإدارة العامة في الأردن، والتي كانت مضرب المثل في القدرة على التخطيط الواقعي والتنفيذ الميداني، حيث هيمنت عقلية المسؤول الموظف والبيروقراطي والذي أصبح جل همه تسيير الأمور كروتين يومي لا بدّ منه، بالرغم من ضخامة العناوين عن الاستراتيجيات والتي لم تغادر الورق وغرف المكاتب بعد.
وعلى أية حال فأن تأتي متأـخرا أفضل من أن لا تصل أبدا، نرحب بتوجه الوزارة وإن جاء كردة فعل ولم يكن جزءا من استراتيجية عمل، ونأمل أن يؤخذ موضوع التعلم عن بعد بجدية، وأن يدرس دراسة مهنية تقنية، ويعد له إعدادا مناسبا حتى لا يأتي التطبيق مشوها وغير مقنع وكاشفا لمزيد من نقاط الضعف التي أصبحت واضحة للجميع، فأبناء الوطن ومستقبلهم يستحقون الأفضل دوما. والله من وراء القصد.