من يعاقب الفاسد الذي لا يترك اثرا?
نبيل غيشان
11-01-2010 03:08 AM
كثيرون يتساءلون اليوم, لماذا لم تظهر كل قضايا الفساد الا الان وبهذه الكمية? وزارة الزراعة ومصفاة البترول وامانة العاصمة / السوق المركزي والمنظمة التعاونية واحدى شركات القطاع الخاص وغيرها.
سمعت في المجالس كثيرا من الاردنيين يدلون بدلوهم في تحليل ظاهرة الاكتشاف المتوالي لقضايا الفساد, فمنهم من يعتقد ان توجه الدولة الان يقضي بالمكاشفة والشفافية ومحاربة الفساد ويستدلون على ذلك ما ورد في كتاب التكليف السامي لحكومة الرفاعي واخرون يعتقدون ان الامر لا يتعدى ان الحكومة الجديدة تفتش على اخطاء وهفوات سابقاتها لبناء مصداقية لها واخرون يعتقدون بجدية الدولة في مكافحة الفساد لان كلفة الفساد اصبحت عالية لدرجة ان خزينة الدولة لم تعد تتحملها.
وانا ومن دون حسن نية اعتقد ان الاراء الثلاثة السابقة هي اراء صحيحة مئة بالمئة, وما اتمناه دائما ان تكشف كل حكومة جديدة عيوب من سبقها من الحكومات ولا نوفر احدا, لان الحكومات التي تغادر لا تقدم كشف حساب لا بل ان بعض الرؤساء كانت امنياتهم في المغادرة السريعة لان المرحلة اصبحت تحتاج الى قرارات غير شعبية.
وفي حكومة سابقة استخدم النشر المتواصل عن التلوث والتسمم في المياه والمطاعم ( ماء, شاورما) كجز من الصراع الخفي بين مراكز القوى مما حدا بالاطاحة بوزيري المياه والصحة في حينه وقرانا مؤخرا ان مسؤولة حكومية سابقة اقرت بان ضغوطا مورست على الرقابة الغذائية للتلاعب بنتائج الفحوصات المخبرية ونقل المسؤولية من جهة الى اخرى. فهل جرى التحقيق في الامر?
انه الفساد الملعون بكل اشكاله المالي والاداري وهو نتيجة طبيعية لغياب المساءلة والشفافية ومناخ الحريات العامة الامر الذي يؤدي الى التغول على القوانين والانظمة وانتهاكها من دون رادع.
واذا عدنا الى التقارير الدولية لمراجعة حالتنا العربية في الفساد نجد ان الدول العربية تحتل المراكز المتأخرة وبجدارة متناهية, في قائمة تقرير منظمة الشفافية الدولية وتاتي دولة الامارات العربية المتحدة كافضل حالة عربية تحتل الموقع الثلاثين في قائمة تضم 180 دولة يليها البحرين في موقع 39 والاردن في موقع 49 واما الجزائر ومصر (اصحاب حرب الكرة) فقد جاءتا في المرتبة ,111 وتبقى اربع دول عربية في قائمة الدول العشرة الاسواء من حيث الشفافية.
فحيثما يكون هناك قانون ونظام وانتماء للدولة يقل الفساد لان الفساد هو نتيجة طبيعية لعدم احترام المؤسسات والقوانين وانعدام الشفافية وغياب اخلاق العمل والوازع الديني والاخلاقي وانتشار البيروقراطية وفقدان ثقة المواطن بالدولة والبطالة والفقر.
ان المواطن الاردني يسمع بالفساد ويؤشر على بعض الفاسدين بالاسم وهناك ثلاثة اجهزة في الدولة تعنى بمحاربة الفساد وغياب الشفافية هي ديوان المحاسبة وديوان المظالم وهيئة مكافحة الفساد لكنها مؤسسات تتبع الفاسد الذي يترك اثرا على جريمته, لكن من يحاسب الفاسد الذكي الذي لا يترك اثرا وراءه? الفاسد الذي نراه بعيوننا?
واذا اردنا الدقة فما الفائدة من قانون اشهار الذمة المالية الذي يعني تقديم اصحاب المراكز العليا اقرارات خطية بموجوداتهم المنقولة وغير المنقولة عند اشغال الوظائف, لكن لا احد يراقبهم عند تركهم وظائفهم, ولماذا لا تكون المساءلة على قاعدة, من اين لك هذا? اي تفعيل قاعدة "الشك" وليس "حسن النية" فاذا عرفنا ان شخصا شغل منصبا عاما راتبه الشهري لا يزيد على ثلاثة الاف دينار فكيف لنا ان نصدق ان ذلك الموظف كان شريفا نظيفا وهو يلعب بالملايين اليوم ولديه عقارات واراضٍ واسهم وشركات تصل اثمناها الى عشرات الملايين, هل نحتاج الى ادلة اكثر من الواقع?
اخشى ان نبقى "نتشاطر ونتنمر" على صغار الفاسدين وليس كبارهم والشعب ينتظر اصحاب الفاسدين من اصحاب الملايين وليس المختلسين الصغار اصحاب المئات والالوف.0
nabil.ghishan@alarabalyawm.net
العرب اليوم