يدب الرعب في أوصال العالم وتتسارع أسبابه بشكل كبير. ولكأنما داهمها سيل مفاجىء؛ حيث ارتبكت دول وتعثّرت أخرى، وحيث حملت أجراءات الوقاية الواهنة، والإستخفاف في التدابير وغطرسة التعالي، فيروسا لا متناهي الصغر، على تسديد اللكمات، واحدة تلو الأخرى، ومكّنته للسخرية من كل قوانين الحضارة ومختبرات العلوم وقواعد الطائرات.
بينما تئن أوروبا تحت ضربات الوباء الذي يضرب دون رحمة، تعلن الولايات المتحدة حالة الطوارىء، وتشرع في إجراءات تؤخر انتشار الفيروس، وتعلن ألمانيا عن خطط غير مسبوقة لدعم الإقتصاد بقروض تصل نحو 550 مليار يورو، وقد وضعت الدولة هناك خططا لإغلاق دور الحضانة والمدارس والجامعات وأماكن التجمعات في إطار إجراءاتها الإستثنائية.
يمتلىء العالم رعبا وهلعا في واقع الأمر، بينما تشير بعض التقديرات لتراجع النمو الاقتصادي في العالم بنسبة تزيد عن 2,5%. إنه مزيد من القلق والفوضى.
لم يكن العالم الثالث بحاجة لهذه الجائحة كي تنحسر غيوم الأزمة عن هشاشة في التدابير وعن قلق متنامي بموازاة جهل قاتم بحجم الكارثة، وكذا، لم يكن بحسبان الدول العظمى مثل هذه الصدمة التي تقفز دون سابق، لتكون لها الأولوية في القلق والعجز.
زيادة على نشر الرعب، فقد تنحسر الأزمة عن واقع لا يراه أحد. واقع من غياب كامل للمثل والقيم والمدونات التي عنيت بحقوق الإنسان وتوزيع الديمقراطيات، تلك التي سوّقتها الدول العظمى على العالم كله، لتغيب في وجه الكارثة المحدقة بهم، وتترك الدول الأخرى، وحيدة في سباق منهك، وإذ ذاك، فلن يكن بإمكان هذه الدول الصمود طويلا، وستكون الظروف مناسبة تماما للفوضى المتبوعة بالإنهيار.
يمعن هذا الوحش المفترس في اجتياح العالم دون هوادة. يضرب دون تمييز، بين أولئك الذين اسندوا على كتف الأرض سلّالم للقمر وأولئك الذين يبحثون عن طعام في مما تخرج الأرض من بقلها وفومها، ولكأن الناس في البلاد التي تنعت بالعالم المتأخر محكومة بالأزمات.
وزيادةً على أن الفقر والبطالة والجهل والحروب أنهك نظمها الإجتماعية والاقتصادية والثقافية حتى، وعلاوةً على أن غياب الديمقراطية واستفراد المستعمرين أياً كان اسمهم، بمقدراتها، أضناها وأوهنها، تأتي بلوى الكورونا الجديدة، لتثخن في الجراح، وتبالغ في القهر.
يبلغ الأمر منتهاه في اعتراف العالم بأننا أمام جائحة محدقة، دفعت رئيس وزراء بريطانيا للقول أن "المزيد من العائلات ستفقد أحباءها".
هنا في الأردن، على ما اتخذناه من تدابير وإجراءات، فإننا نقف وجها لوجه أمام احتمالات خطيرة، لا يُفيد معها الإتكاء على الفزعات، بل تستدعي اتخاذ إجراءات جراحيه ربما كانت قاسية وذات أثر سلبي على الإقتصاد وعلى غيره، لكنها إجراءات ضرورية، منها ما يتعلق بتعزيز الإجراءات على المنافذ الحدودية، وتعزيز تزويد الكوادر المختصة بأجهزة تنفس واجهزه كشف فعّالة، والتوسع في تقييد الدخول من الدول التي تسجل إصابات كثيرة، والتفكير بطلب دعم دولي لمجابهة الآثار الاجتماعية والصحية والاقتصادية للوباء، التي ستمر على البلاد لا محاله.
لسنا جزيرة في محيط. الوباء يتفشّى في العالم بأسره، ونسأل الله أن يحفظ بلدنا آمنا منه. لكن الأمنيات وحدها لا تكفي، وليس من مصلحة أحد، إدارة الأزمة بمفهوم يجنح نحو منح الناس شعوراً زائفا بالأمان كما قال الدكتور عاصم منصور، ولا تنفع أبدا تغطية الشمس بغربال واسع الثقوب.