كيف غطيتم زيارة الوزير إلى دمشق؟
ماهر ابو طير
12-03-2020 01:30 AM
تجمع عمان المتناقضات في السياسة الخارجية، وفي مراحل سابقة، استطاعت ان توظف هذه الطريقة لمصلحة الأردن، لكنك في هذه المرحلة لا تفهم ابدا دوافعها، واذا ما كانت تعبر عن تخطيط مسبق، او انها مجرد اخلاط سياسية؟!
في الملف السوري يرسل الأردن وزير تجارته الى دمشق، ويحاور نظيره السوري، ويعود الى الأردن ويطلق تصريحات إيجابية، وهي اول زيارة لوزير اردني الى دمشق منذ بداية الفوضى في سورية، فتنهمر التحليلات، وكل جانب يريد اختطاف التحليل نحو زاوية توجهه السياسي، فمن هم ضد النظام السوري يرون في الزيارة تجاوزا لخطوط حمراء، ومن هم مع النظام يحتفلون بها بشكل كبير.
القصة هنا حافلة بالتناقضات، فالأردن يتلقى المال والمساعدات من الاميركيين، الذين لهم موقف سلبي من الانفتاح على السوريين، بل وجاهروا سابقا بموقفهم السلبي من الاقتراب من السوريين، وتجاوب الأردن الرسمي مع الممانعة الأميركية، فوق المؤشرات التي تتعلق بتطبيق الأردن لعقوبات دولية ضد دمشق الرسمية، واتخاذ إجراءات على الأرض ضد تدفق التجارة السورية، ردا على السوريين وقراراتهم السلبية بحق التجارة مع الأردن.
من هنا علينا ان نسأل كيف تمت تغطية زيارة الوزير الى دمشق، هل تمت استشارة الاميركيين، ووافقوا عليها، ام انها تمت بشكل مستقل، مع معرفتنا بكلفة الاستقلال هنا، ام ان الزيارة كانت ضمن سياق فني منخفض المستوى، لا يعبر عن تطور سياسي في العلاقة، بحيث نرى وزير الخارجية الأردني في دمشق، او وزير الخارجية السوري في عمان، واذا ما كانت هذه الزيارة منتجة مع معرفة الوزير والحكومة وكل الأطراف ان هناك رفضا اميركيا لتطوير العلاقة، وخضوع دول كثيرة لمنطق العقوبات الدولية ضد النظام السوري.
هذه تساؤلات بحاجة الى أجوبة، ممن يعرفون اسرار السياسة الخارجية في الأردن، حتى لا نبقى في حالة حيرة وعدم فهم للطريقة التي تعتمدها عمان في إدارة شؤونها، وهي طريقة بحاجة في بعض المرات الى روحانيين ومستبصرين؟!
عاد الوزير الى عمان وبسبب وباء كورونا اغلق السوريون حدودهم، وقبل يومين اغلق الأردن حدوده مع السوريين، وهي بمثابة نقطة تجميد للعلاقات من جديد على المستوى التجاري، ولا احد يعرف حتى الآن اذا كانت هذه الاغلاقات سوف تتواصل لفترة أطول مع تطورات الوباء، ام لا، واذا كان الوباء ذريعة من اجل تجميد الانفتاح بين البلدين الجارين والشقيقين بطبيعة الحال.
اطراف كثيرة في الأردن على المستوى الشعبي والاقتصادي كانت تنتظر تحسن العلاقات التجارية، سواء في عمان او مناطق شمال الأردن، او دمشق، خصوصا ان الأردن بوابة أيضا لدول الخليج العربي، لكن لا بد ان يقال هنا ان تقييمات المحللين تقول ان لا شيء جديا في عمان بشأن العلاقات مع السوريين، اذ ما تزال اي تحركات تخضع لحسابات معقدة، وذات سمات إقليمية ودولية، وليس لحسابات اردنية محضة، لكن زيارة الوزير خلطت الأوراق، وصنعت صورة غير دقيقة عن استقلال القرار في عمان، وكأنه يتم بمعزل عن حسابات الإقليم والعالم.
لو كان القرار معزولا عن حسابات الإقليم والعالم، لرأينا خطوة سياسية تجاه السوريين، اقلها المطالبة بعودة دمشق الى جامعة الدول العربية او تعيين سفير اردني في دمشق، وتعيين سفير سوري في عمان، وغير ذلك من مؤشرات سياسية، وسيؤكد حصولها على تغير في سياسات الأردن تجاه دمشق الرسمية.
هذا يقول في المحصلة ان زيارة الوزير الى دمشق لم تكن الا حركة منخفضة الدلالات ولها غايات وظيفية، ولا تعبر عن تغير جوهري في السياسات الأردنية، مثلما لا نرى أي اهتمام سوري بتحسين العلاقات مع الأردن، وهذا لوم آخر.
رفع مستوى العلاقة سياسيا عبر النافذة الاقتصادية، امر قد لا ينجح هذه المرة بسبب تعقيدات كثيرة، والاصل ان تكون العلاقة الاقتصادية الإيجابية نتيجة لبداية سياسية جديدة في البلدين، وهي بداية معلقة لاعتبارات كثيرة ابرزها ان الامر ليس امرنا وحدنا في هذا الإقليم، وهذه المنطقة الغارقة في الازمات.
(الغد)