سوريا والأردن .. شقيقتان بعلاقات «معلقة»!
سمير الحباشنة
11-03-2020 01:10 AM
«1»
تعبر أحاديث الملك عبد الله الثاني والرئيس بشار الأسد عن رغبة صادقة بعلاقات أردنية سورية وطيدة، حيث تندرج زيارة وزير الصناعة والتجارة إلى دمشق بهذا السياق. وأملنا أن تكون العلاقات الأردنية السورية تلك المنتظرة مقدمة لإعادة علاقات سوريا مع أشقائها العرب. ولذلك مؤشرات كنت عرجت على بعض منها في مقالي الأسبوع الفائت «القضايا العربية - لا يحك جلدك إلا ظفرك».
إلا وأنني في هذه المساحة أحاول التركيز بشكل خاص على مسيرة علاقات الأردن وسوريا، وذلك منذ أن بدأت الحرب على سوريا.
«2»
واضح أن الحرب المتعددة الأطراف على سوريا وبالرغم من العدوان التركي الذي لا يخفي مطامعه العثمانية والمدان عربياً، قد أصبحت بالهزيع الأخير، وذلك بفضل صمود الشعب السوري الشقيق وبفضل إرادة وعقيدة جيشهُ العربي الذي لم يفرط بسوريا الوطن وبقي صامداً في وجه «التسونامي» المستمر منذ ثماني سنوات.
وهنا أُحاول ربط الموقف الرسمي والشعبي الأردني، الذي يُمكن أن أصفه بالثابت المرن، فالأردن عمل جاهداً أن لا يكون طرفاً مضاداً لسوريا، ذلك أن شعبه اكتشف أبعاد ما يقع على سوريا الشقيقة منذ اليوم الأول، فشكل دعماً لسياساته الرسمية، حتى لا تنزلق وبالتالي عدم الانخراط باللعبة، وأن يبلور موقفاً متوازناً، جوهره ضرورة وقف الحرب واللجوء إلى «الحوار والتوافق» على أساس وحدة الدولة السورية أرضاً وشعباً.
ولذلك رفض الأردن اتخاذ أي موقف سياسي أو عملياتي ضد سوريا، برغم كل الضغوطات، تارة بالاغواء وتارة اخرى بالعقاب، والتي سعت أن يكون الأردن مركزاً أو طرفاً في الحدث. وقد نجح وإلى حد معقول أن يوائم بدبلوماسية هادئة، بين موقفه الثابت من القضية السورية من جهة، وعدم الإصطدام مع أطراف عربية ودولية يرتبط الأردن بها بمصالح لا بديل له عنها من جهة أخرى.
«3»
وحتى لا يُصنف الحديث بأنه تبرير متأخر، أذكر بأن الأردن رفض أن تتورط قواته المسلحة، حيث اقتصر دورها على اجراءات من شأنها حماية حدودهِ الشمالية. ولم يغلق الأردن كذلك سفارة سوريا في عمان، كما أقدم على إغلاق الحدود عندما سيطرت عليها من الجانب السوري الجماعات المسلحة. وأن مواطني سوريا المقيمين في الأردن، مارسوا حقهم بحرية، بانتخاب الرئيس بشار عبر سفارتهم في عمان. وأخيراً فان الأردن من أول من أدان التدخل التركي واجتياحه للأراضي السورية.
وأعتقد جازماً ومع تقديري لما يرشح من عتب للأشقاء السوريين في بعض الأحيان، فان علاقات سوريا والأردن اليوم يجب أن تسير قدماً نحو إعادة التواصل، وعلى كل المستويات الرسمية والشعبية.
«4»
أما على صعيد المجتمع المدني الأردني، فنحن في الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة، كان لنا شرف الاستشراف المبكر لما يجري، حتى اننا وفي ذروة الهجمة على سوريا بادرت الجمعية بتاريخ 18/6/2013 وبتاريخ 2/11/2013، إلى دعوة مجموعة كبيرة من مؤسسات المجتمع المدني وكوكبة من الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية والإسلامية، التي أكدت بدورها على ثقتها بقدرة سوريا على تجاوز تلك المرحلة الصعبة، وأطلقت نداءً لمناشدة أطراف المعادلة الوطنية لوقف الحرب، وأن تسعى جميعها إلى بلورة مشروع وطني سوري جامع، كما دعت إلى وقف التدخلات الخارجية بالشأن السوري. وقد تم إرسال ذلك النداء إلى الحكومة السورية، وطرحه كذلك على المعارضة آنذاك، عبر استضافة لبعض رموزها في عمان، وعبر لقاءات بعضهم الاخر على هامش ندوات فكرية وثقافية خارج الأردن.
كما بادرت الجمعية منذ نحو ثلاث سنوات، لتشكيل وفد يمثل الطيف الوطني الأردني السياسي والاجتماعي والثقافي لزيارة دمشق، تأييداً لصمودها من جهة، ودعماً لصيغة لقاء وطني يعيد لسوريا أمنها ويحفظ وحدة أرضها وشعبها.
والحقيقة أن مبادرة ذهاب وفد إلى دمشق، لاقت في الأردن آنذاك ترحيباً شعبياً واسعاً، كما لاقت استحساناً وقبولاً من لدن الإطارات الرسمية العليا في الدولة.
إلا أن الجانب المؤلم، أن من كان معنياً بالاتصال وتسهيل القيام بالزيارة في حينه، لم يلتقط الرسالة المأمولة من ذلك الفعل، ولم ينظر إليه بالأفق العروبي، الذي يجمع البلدين الشقيقين، وراح يتعامل معها من زاوية باهتة تنقصها إضاءة كافية، لجلاء المشهد وغاياته النبيلة.
ورغم تكرار المحاولة إلا أن عدم القدرة على الفهم بقيت مسيطرة..!!
«5»
اليوم، فان العلاقة مع دمشق لا يجب أن تبقى معلقة، فالشعب على حافتي الحد، لا يقبل أي مسبب أو تسويغ لعدم إعادة التواصل بين البلدين الشقيقين إلى سابق عهده، فأشواقنا واحدة ومصالحنا واحدة لا تحتمل جفاء غير مبرر. ولا بد من إعادة الحياة لهذه العلاقات على الأصعدة كافة.
***
وبعد، إن الأردن قادر على شرح طبيعة التماهي الكلي بين البلدين، وأن هناك مصالح اقتصادية ووشائج اجتماعية، غير قابلة للفصم.. وتذكرون وبذروة الهجوم والحصار والمقاطعة على العراق، استطاع الأردن أن يقنع الآخرين بتفهم موقفه، وأن يحافظ على التواصل مع العراق وعلى كل المستويات. كما أن العرب لابد أن يعيدوا حساباتهم نحو الوئام والتوافق وترك الماضي وراء ظهرهِ، فالعرب مهددون بطعنة نجلاء في قلبهم أي في «فلسطين».
«والله والوطن من وراء القصد»
(الرأي)