الانجازات التي تحققت للمرأة في ميادين السياسة والتشريع والادارة والاعلام والاقتصاد والتعليم والبيئة والصحة وغيرها، كانت احد مصادر النشوة والتفاخر لدى المنظمات النسوية وقوى التغيير لكنها ظلت موضعا للنقد والتشكيك من قبل القوى والجماعات المحافظة التي رأت في كل ذلك خروجا على التقاليد ومحاولات للتفكيك وزرع بذور المنافسة والتحدي في مجتمعات طالما احتفلت بتماسك بنيتها وتعاضد افرادها وتتكافل مكوناتها.
قبل اشهر قليلة نظمت الحركة النسوية في الاردن اعتصاما واسعا للاحتجاج على الانتهاكات التي ترتكب ضد حقوق النساء وما ان اكتمل حضور المشاركات في الاعتصام حتى اكتظت الساحة بعشرات النساء اللواتي خرجن لمعارضة الاعتصام واتهام الجهات المنظمة بالعبثية والعداء للتقاليد والاعراف. من بين المعارضات كانت برلمانيات وشخصيات نسوية عامة كما على الجانب الآخر من المواجهة التي كادت ان تتحول الى صدام.
في الاردن يوجد اتفاق على الحاجة الى التغيير لكن القوى والتيارات تختلف على تجاه التغيير ففي الوقت الذي يرى فيه البعض ان الحاجة ملحة نحو التقدم والمزيد من الحرية والمشاركة يرى البعض ان صلاح المجتمع في العودة الى القيم والتقاليد والتراث وليس الانفكاك والتحرر وتبني نماذج غربية لا تقيم وزنا للدين والعادات والتقاليد.
الخلاف القائم عكس نفسه بشكل واضح على المرأة وقضاياها. العديد من النساء اللواتي يتحمسن لقضايا المرأة وتغيير اوضاعها تجنبن الدخول في مسارات الحياة التي تمر بها النساء في مجتمعهن من زواج وانجاب وعمل فهناك الكثير ممن آثرن العزوبية على الزواج وابتعدن عن الانجاب او عايشن تجارب زواج غير ناجحة، الامر الذي يقلل من تأثير الخطاب ويضعف مصداقية الاطروحات التي تقدم في المجتمعات المحافظة.
حتى اليوم لم تفرز الكوتا البرلمانية التي أدخلت عشرات النساء الى البرلمان نساء يتحمسن الى القضايا النسوية او يخضن الانتخابات على اساس برامج تشكل قضايا المرأة اولويات واضحة فيها. الحقيقة الصادمة ان معظم النساء ترشحن على ارضية عشائرية وبأيديولوجيات لا تبدي حماسا كبيرا للتغيير. في العديد من المناطق والدوائر الانتخابية تفوز النساء بأصوات غير نسوية الامر الذي يثير الكثير من الاسئلة حول جدوى اعتمادها كوسيلة للتغيير.
في كل عام وما ان يحل شهر آذار تتسابق النساء والمنظمات في التحضير لليوم العالمي للمرأة الذي يأتي في الثامن منه. المهرجانات الخطابية والمعارض والتكريم وعروض الافلام واختيار المرأة كمدير ليوم واحد طقوس اعتدنا عليها بالرغم من انها لا تغير كثيرا في الواقع.
البعض يشرع في البحث عن قصص تبين التمييز والتعدي وغيرها من المظاهر التي يحرص البعض على تناولها لرفع الوعي او التقليد لما تقوم به المنظمات العالمية واحيانا بدافع الحصول على التمويل الذي يرصد لمثل هذه المناسبات والايام.
قبل ايام من موعد الاحتفال هاتفتني احدى الشابات العاملات في الصحافة الالكترونية وعرفتني باسمها ومهنتها وطلبت مني ان أشرع في الاجابة على سؤالها الذي يقول” ما هي الاسباب وراء وقوع المرأة ضحية لجرائم الرجل” واستطردت انها تمثل صحيفة ذكرت اسمها وتحتاج الى اجابة لترسلها بسرعة.
حاولت الاعتذار عن المشاركة الا انها أصرت على أخذ اجابتي فقلت لها من قال ان المرأة تقع ضحية بدرجة اكبر؟ لا أظن ان هذا صحيحا فإسهامات المرأة في الجريمة كفاعل او ضحية هي اقل بكثير من الرجل والمعدلات لم تتغير كثيرا او بصورة لافتة تستدعي الانتباه الا في حالة تورط اعداد اكثر من النساء في ديون جاءت كنتيجة لسياسات تتبناها شركات وصناديق تأسست لخدمة المرأة تحت شعارات تنموية براقة.
حاولت الصحفية ان ترشدني الى الاجابة التي تتطلع لها فتوقفت عن الحديث لقناعتي بأن البحث جار عن من يفصل اجابة مناسبة للقصة المطلوب صياغتها واعتذرت عن الاستمرار في المقابلة. بعدها اخذني التفكير بعيدا للاوضاع والظروف التي جعلتنا نتلقف للقضايا التي تثار عالميا وتحثنا على ازدراء مجتمعنا وممارساتنا وتشككنا بأنفسنا ومستقبلنا.
وخلصت الى ان الحاجة كانت وستبقى الى علاقة متوازنة تبنى على الفهم الحقيقي بأن لا وجود انسانيا بدون الذكر والانثى المندفعين باتجاه بعضهما بالفطرة والعاطفة والضرورة التي نجح اجدادنا في تنظيمها وتقنينها وأنسنتها لتشبع الحاجات وتستقيم النفوس ويتحقق التكامل.
في المجتمعات التي تؤمن بالتقسيم الطبيعي للعمل تحترم الكرامة ويشترك الرجال والنساء في المجد والثروة والشهرة والمكانة دون الحاجة الى الجدل والمنافسة والتحدي.
(الغد)