الأجندة الخاصة عندما تكون أجندة الوطن و الأمة دولة الدكتور معروف البخيت نموذجاً
د. عبدالله فلاح الهزاع الدعجة
09-03-2020 12:57 PM
يمثل دولة الدكتور معروف باشا البخيت رئيس الوزراء الأسبق ، نموذج عبقرية فريد من نوعه استند على مفهوم ابداع فردي و ذكاء فطري مكنه من تولي أعلى مناصب الدولة ، فالكثير من زملائه بالجيش العربي شهدوا له أنه أذكى ضابط في الجيش العربي و الأكثر نزاهةً و اخلاصاً و ألمعيةً ، فهو الضابط الوحيد بين أقرانه الذي تقدم لأعلى المواقع القيادية.
عند تعيينه سفيراً للأردن في اسرائيل عام 2005 ، سألته بفضول الطالب الجامعي في برنامج العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية / الجامعة الهاشمية ، عن تعيينه , فأجاب حفظه الله ، قائلاً بقوة و ثبات : نداء الوطن نلبيه يا عبد الله ، و مصلحة الأردن العليا اعتبار لا يعلو عليه أي اعتبار ، فكان رائد الاستراتيجية الاستباقية والتفكير التنبؤي و الاجتهاد بوضع الحلول و السيناريوهات اللازمة لمرحلة دقيقة و حرجة لا تقل دقة و حرجاً عن المرحلة الحالية و تداعياتها و مآلاتها .
عند توليه الولاية العامة رئيساً للحكومة عام ( 2005 ) و عام ( 2011 ) ، واجه أزمات مفتعلة للإطاحة بحكومتيه ، و محاولة ارباك عملها و إضعافها لصالح " مراكز قوى " أخرى بالدولة و خارجها ، ليس من مصالحها " الضيقة " نجاح الحكومة و استغلت في ذلك مفهوم " المسؤولية الأدبية " و تضليل الرأي العام ، إلا أنه و كعادته و على الدوام أثبت كفاءة القيادة و ايصال الوطن الى بر الأمان .
والقارئ يدرك كل هذه القضايا فلا مجال للإسهاب بها وأن لزم الأمر سنقوم بالإسهاب استناداً لحفظ حق الرد و بالتفصيل لكي لا يقع القارئ الواعي في فخ الشعارات البراقة و العناوين الرنانة المفرغة فعلياً من الحقائق و وقائع الحال ، ومنها على سبيل المثال ، قضية تسمم المياه في محافظة المفرق ، و قضية تزوير الانتخابات النيابية و البلدية ، و قضية الكازينو ، و قضية الاخوان المسلمين و جبهة العمل الاسلامي و جمعية المركز الاسلامي ، و الأخذ بعين الاعتبار للأطر الاجتماعية و النفسية و القانونية لكافة هذه القضايا ، و دور القبة العبدلية في التصويت و حسم الكثير منها في حينه.
من عبارات دولته حفظه الله عند اصرار البعض على رفع الأسعار بتحريض من " مراكز القوى" السالف ذكرها ومحاولة اللعب في قوت الناس و اخلال الأمن و الاستقرار و النظام العام ، قول دولته حفظه الله : ((الأنسان الاردني أهم من لغة الأرقام )) وجلالة الملك ابو الفقراء و ابو الضعفاء و ابو المساكين ، و لم يوافق على رفع الاسعار .
قيل عنه أنه أفقر رئيس وزراء في الأردن ، و قال تحت القبة العبدلية أنه يتحدى أي شخص اذا كان لديه غير راتبه و هذا ما لم نسمعه من أي مسؤول اردني رفيع المستوى ، ناهيك عن أنه رئيس الحكومة الوحيد في الوطن العربي و غيرها من دول العالم الذي ذهب باختياره و أصر على الذهاب الى رئيس هيئة النزاهة و مكافحة الفساد للحديث عن أي قضية يرونها تشكل فسادأ و تجاوزاً للقوانين و الأنظمة و التعليمات أياً كانت .
تقلد مناصب في غاية الأهمية والريادة في الدولة لم يأتي لليوم من يشغلها بمثل كفاءته منها ، ممثل الأردن في مباحثات الحد من التسلح و الأمن الإقليمي ضمن مجموعات العمل المتعددة التي انطلقت من مدريد ، و المنسق العام لعملية السلام في الشرق الاوسط و مقرر اللجنة التوجيهية العليا و مستشار أمني في دائرة المخابرات العامة ، و رئيس للبعثات الدبلوماسية في دول كبرى مؤثرة في الإقليم .
و في عام 2005 عند استحداث وكالة الأمن القومي و تعيينه مديراً للأمن القومي و مديراً لمكتب جلالة الملك المعظم ، فقد أصبحت المؤسسة الأمنية الاردنية تتربع على عرش الاستراتيجية الأمنية الكونية و مكوناً أساسياً في استراتيجية العالم الأمنية و العسكرية و الإقتصادية كملفات الطاقة و الغاز و النفط و قضايا الأمن الفكري و غيرها من القضايا الملحة على الاجندة الدولية و العالمية .
و هذا ما اشارت اليه نخب عالمية مثل الكاتب David Ignatius ) ) في كتابه عن الشرق الأوسط ( Body Of Lies ) الذي تحول الى فلم سينمائي ، و حديث مدير ال ( CIA ) السابق (George Tenet ) عن مستوى المؤسسة الأمنية الاردنية الرفيع الذي وصلت اليه في مكافحة الارهاب في عهد قادة عظام من ذلك الطراز الرفيع .
شخصية سياسية عسكرية استراتيجية كارزمية ، لا ينجب مثلها و لن يجود الزمان بها ، لم يعرف لعبة تقاسم الأدوار من اليسار الى اليمين لغايات معينة ، كما لم يعرف اسغلال الوظيفة بالرغم من أنه شغل أهم وظائف الدولة ، كان و ما زال و سيبقى قابضاً على جمر العروبة و البطولة الأردنية و العسكرية الفذة و الأخلاق الأردنية الرفيعة و الولاء للقيادة الهاشمية المظفرة ، وفي الخلاصة ما أود قوله هو التساؤل التالي : ما هي صيغة المنهجية التي يمكن من خلالها تقييم الشخصيات الوطنية السياسية مع استحقاقات المرحلة و تأثير ذلك على مسار الدولة الشامل على المدى الاستراتيجي ، وذلك في ضوء تجربة دولة الدكتور معروف باشا البخيت ، حفظه الله و رعاه ، والذي يعتبر محطة هامة و علامة فارقة و فريدة من نوعها في التاريخ السياسي الأردني ، مصداقاً لقوله عز من قائل : ((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ )) وقوله (( وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)) . و سيبقى مشعلنا الوطني منيراً بنور الأردنيين الشرفاء الغيارى .