بعد إعلان رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب رسمياً، أول من أمس، قرار عدم سداد سندات (اليورويوبوند) والبالغة قيمتها 1.2 مليار دولار، تكون بلاده قد سجلت أول تعثر في تاريخها نتيجة الإخفاق في الوفاء بهذا الالتزام.
وليس هذا القرار وليد اللحظة. وعلى الرغم من الأزمات التي شهدها البلد خلال الفترة الماضية، إلا أن المعضلة الأكثر وقعاً هي اتضاح أن البنوك اللبنانية كانت قد باعت مساهمتها في هذه السندات في الأسواق العالمية، لتكون مشكلة لبنان مع الدائنين العالميين.
لا شك أن الظروف السياسية التي يمر بها لبنان صعبة للغاية. ومع تفاقم أزمته الداخلية، ازدادت حالة عدم اليقين التي أفضت قبل ذلك إلى تراجع قيمة الليرة بنسبة 40 % خلال الأشهر القليلة الماضية.
يقع جزء كبير من مسؤولية المأزق اللبناني على عاتق السياسة النقدية التي انتهجها حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، وعمليات الهندسة المالية التي ضخمت موجوداته حتى شكلت ثلاثة أضعاف الناتج المحلي هناك، والتي استفاد منها المساهمون في البنوك وانتقدها صندوق النقد الدولي صراحة، بالإضافة إلى عدم الالتزام بالمعايير الدولية وتطبيقها على البنوك هناك، علماً بأن الدين العام اللبناني وصل إلى 170 % من ناتجه الإجمالي؛ أي ما يقارب 90 مليار دولار.
في ظل هذه التطورات التي يعيشها الاقتصاد اللبناني المنهك، والذي يعد دينه من أعلى النسب في العالم وفق وكالة التصنيف الائتماني “ستاندر أند بورز”، فإنه يواجه استحقاق سندات أخرى في حزيران (يونيو) المقبل بقيمة تصل إلى 1.3 مليار دولار.
سيكون من أول التداعيات عدم قدرة لبنان على الاستدانة من الأسواق العالمية مجدداً بعد تعثره عن سداد السندات. وليس الشروع في تنفيذ إصلاحات تتضمن فرض إجراءات قاسية بالأمر الهين، لا سيما وأن سمعته قد تأثرت في الأسواق العالمية. يضاف إلى ذلك انشغال العالم بأزمة (كورونا)، مما يعقد أزمته إلى جانب مشاكل داخلية معقدة أخرى.
سوف يتطلب أحد الحلول للعودة إلى الاقتراض من جديد استعادة ثقة المستثمرين والصناديق والبنوك الأجنبية التي باتت تصنفه كبلد متعثر مالياً. وتتضمن الإجراءات التوجه إلى تطبيق برنامج إصلاحي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي. ورغم كون ذلك أحد الحلول المطروحة، فإن الحالة اللبنانية وبعض الأطراف السياسية هناك سترفضه لأسباب متعددة من وجهة نظرها، وبالتالي استمرار إيقاع الضرر بالاقتصاد.
ويرى العديد من المانحين الدوليين أن على اللبنانيين مساعدة أنفسهم أولاً قبل تقديم الدعم لهم. وكان آخر الوعود بالمساعدة قد جاء خلال مؤتمر عقد في فرنسا في العام 2018؛ حيث وعد المانحون بمنح الدولة اللبنانية 11.6 مليار دولار شريطة تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. إلا ان التباطؤ في اتخاذ القرار أوصل لبنان إلى الحالة الصعبة -بل المعقدة للغاية. بلا شك بأن توقيت القرار أهم من القرار.(الغد)