facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




دكتاتورية الثقافة


د. عادل يعقوب الشمايله
09-03-2020 09:56 AM

يخضع الانسان منذ لحظة ولادته الاولى وحتى وفاته ثم دفنه، لاليات ومنهجيات ثقافة اسرته وقبيلته ووطنه.
يعرف علماء الانثروبولوجي الثقافة بأنها مفهوم واسع ومعقد متعدد الملامح والمرتكزات، يختص ويتميز بها، مجتمع بشري يعيش في بيئة محددة مستقلة. وعلى هذا فإن ثقافات الشعوب قد تتقاطع في بعض ملامحها أو جزئياتها، ولكنها لا تتطابق ولا تتشابه تماما.
يدخل ضمن إطار مفهوم الثقافة: المعارف والأفكار، العادات والتقاليد، القوانين بما في ذلك القوانين القبلية، المعتقدات الدينية، الأخلاق، اللغة والانتاج الادبي الشعري والقصصي، الفنون، الموسيقى، النمط الغذائي، واللباس.
يقول د. راسل أن الثقافة ليست جامدة تماما، لأنها تتعرض على المدى الطويل للهزات، التي يتفاوت تأثيرها حسب قوة الهزة ومقدرة الشعب على الصمود، خاصة عندما يكون مصدر الهزات والتحدي قادما من الثقافات الاخرى.
الثقافة لا تتشكل ولا تترسخ الا إذا كان تناقلها عبر الأجيال، والتطبع بها، حتمية ومسلمة من حتميات ومسلمات المجتمع.
يولد الطفل بدون اسم وبدون نسب وبدون دين وبدون تاريخ وبدون لغة وبدون عادات وأعراف وبدون تشريع يحتكم اليه و ينظم حياته. يتم تسميته في الايام الاولى بتوافق والديه غالبا، يتبع ذلك بأيام تثبيت الاسم رسميا ومعه النسب للاسرة والقبيلة، والدين وربما المذهب الديني والمكان الجغرافي والكيان السياسي الذي اصبح منتميا اليه وجزءا منه. يتم تعليمه اللغة ومعها لهجة الاسرة والقبيلة وربما المنطقة، وكذلك مجموعة المسموحات ومجموعة الممنوعات. جميع هذه الأمور التي تصبح المكون الأهم من مكونات حياته، تتم دون استشارته.
ما سبق بيانه أعلاه، يكشف لنا ان الاحياء في كل جيل يكونون محكومين بالتراكم الذي تم التوافق عليه وتشكلت منه ثقافة الأجيال المنقرضة. وأن أي محاولة للانفكاك من الثقافة المتواترة الموروثة يشكل مجازفة ومخاطرة كبرى قد تكلف الانسان حياته قتلا او سجنا او عزلة أو هربا او نفيا كما حدث مع النبي موسى من مصر والنبي محمد في شعب ابي طالب اولا ومن مكة إلى المدينة لاحقا. فأي سلوك يسلكه المرء لا يتوافق مع السلوكيات والعادات والتقاليد والاعراف والقانون العشائري المستقر منذ اجيال، يكون مرفوضا مباشرة ودون تردد من افراد المجتمع، ويطالب الشخص بنبذه والعودة الى الحظيرة. والقراء يعرفون معنى الحظيرة ومن يجب ان يعيش فيها، ومع ذلك تستخدم للدلالة على الانضباط والانسجام والتوحد. افراد المجتمع لا يعطون لأي شخص الفرصة للبرهنة على صحة وصلاحية السلوك الذي قام به أو الذي يقترحه. فثقافتهم السائدة هي معيار الحق والصدق والصلاحية.
هناك جهتان تستطيعان اختراق الثقافة السائدة وتغييرها. الجهة الاولى، اصحاب السلطة وأصحاب النفوذ. والادلة على ذلك كثيرة من زمن الامويين الى وقتنا الحاضر مرورا بهتلر، لوثر البروتستانت، مارتن لوثر كينج الامريكي، غاندي، اتاتورك، عبدالناصر، سيد قطب، مهاتير محمد، الخميني، اردوقان، وترامب. فافعالهم واقوالهم وسلوكياتهم والكريزما التي يتمتعون بها استدعت الاذعان والانبهار والتقليد والاتباع.
الجهة الثانية هي الثورة الشاملة. الاسلام هو احد امثلة الثورة التي قلبت ثقافات ما قبل الإسلام ليس في جزيرة العرب وإنما من المحيط الاطلسي وحتى حدود الصين. المسيحية أيضًا كانت ثورة تصحيحية على الثقافة اليهودية التي رأى عيسى بن مريم انها قد حرفت. الثورة الفرنسية كذلك غيرت ثقافة الأوروبيين، تبعتها وتأثرت بها الثورة الامريكية التي غيرت كثيرا في الثقافة التي كانت سائدة عند الأمريكيين.وهكذا فعلت الثورة الشيوعية في روسيا والثورة الثقافية في الصين.
وفي الختام اذكر بما بدأت به: أن الاموات يتحكمون في الاحياء. اي ان الاحياء هم اموات ثقافيا. ما اود الوصول اليه، ان رسوخية الثقافة تأتي من تخلي الاحياء من الاجيال اللاحقة عن حقهم في مراجعتها وتجديدها وعصرنتها، حتى ولو كانت نتائج هذا التخلي سلبية على نوعية ومستوى حياتهم.
وباء الكورونا مثلا يعطينا مثالا على عدم تجدد النمط الغذائي في الصين والذي املاه الفقر المدقع في القرون الماضية. حيث لم ينعكس التطور الاقتصادي وارتفاع مستويات الدخل على تركيبة الغذاء والنظافة والذوق الشعبي.
هناك مشكلة اخرى تستدعي سرعة التدخل في الحضارة لتغييرها عندما يكون هناك تنافر ما بين ادبيات الثقافة وما بين تطبيقاتها وممارستها. فمثلا نجد في بلداننا العربية انتشار الغش والكذب والخداع والكسل وعدم الاخلاص والتهرب من المسؤولية والمماطلة وعدم احترام الوقت والمواعيد والتعدي على المال العام، وشهوة الغزو على اموال الاخرين وكرامتهم واعراضهم على الرغم من أن ادبيات الثقافة العربية الاسلامية تدعو الى عكس ذلك تماما. ذلك ان الثقافة الفعلية تستحسن جميع السلبيات التي عددت.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :