في الحروب الإعلامية تسقط الاقنعة، وتقرأ الحقائق والأكاذيب بالمستوى نفسه، وتشعر وأنت تتابع سجالاتها أن الأمور تتجه عكس عقارب الساعة، ولا تعلم أن الخطوط السرية بين الخصمين تجري دون علم المناصرين لطرف على حساب آخر، وما ينطبق عليها ينطبق على الأفراد؛ فكم من شخص ينبري للدفاع عن شيء لا يعرف تفاصيله ومراميه! وكم واحد ساقه جهله في الدفاع عن شرف موهوم لا يستحق تعب الحرف الذي أهرق فيه! وكم وكم.. وحينها قد تضحك وأنت تقرأ تلك السجالات على من ينبري للدفاع بمقالة او تغريدة او غيرها، وتشعر بالأسف لجيش المغفلين الذين يكتش?ون أنفسهم بعد حين وقد وقعوا في حبل الأكاذيب والجهل والنفاق دون أدنى اعتبار لاحترام لهم ولأنفسهم.
الواقع يغص بالقصص والحكايات، والموهومون تراهم في كل مكان وزمان، وهم جاهزون للكتابة وتأليف القصص والغناء والرثاء، لا يأبهون لحمل اوتارهم من أقصى اليمين لأقصى الشمال، جاهزون لعمل كل شيء، يكثرون في المناسبات وعند وقوع المشكلات، لا يحترمون خصوصية ولا حتى الذوق العام، قناعاتهم جيوبهم، وهؤلاء لا يختلفون عن مرتزقة الحروب ممن يذهبون لساحات المعارك وهم لا يعرفون حجم النار التي ستحرقهم، وتجد بعضهم يصوب سلاحه عكس قناعاته، وقد تتحول فوهات بنادقهم كلما كانت المبالغ أعلى، وهذا ما يفعله المغفلون هذه الأيام حين يدافعون عن?الشيطان، وهم لا يعرفون عن ماذا يدافعون او يكتبون.
وبعد، ما أحوجنا أن نقرأ الواقع بعجره وبجره كي نعرف أين نحن من هؤلاء الدمى التي تتحرك مع الريح، وتأخذ مجدها في الطبل والزمر كلما حان آوانها. أقول لهم: انظروا في وجوهكم وتأملوها بعد كل ملطمة كي تروا كيف تبدو دخانية في مرايا انفسكم! وكيف هي شاحبة أمام المجتمع الذي تختزن ذاكرته صور الحمقى والمغفلين على مدار التاريخ (ولا نبالغ إذا قلنا إن المجتمع الحديث يمتلك إلى جانب الذاكرة سجلات حية يستطيع أن يعيدها أمام المبالغين بالوهم وبيع التمائم كي يعرفوا أن الذاكرة ليست مستباحة إلى حد الغفلة، وحين نستيقظ وتعود المياه إ?ى مجاريها حينها لا بنفع الندم نتذكر قول الشاعر:
نَدِمَ الْبُغاةُ وَلاَتَ سَاعَةَ مَنْدَم البغي مرتع مبتغيه وخيم.
(الرأي)