تتوارى العلة في رماية بعض غير المنصفين على الأهداف المكشوفة، في أحشاء انتقاءها وندرة حصافتها والتنائي بها عن المهنية والإحتراف.
وبالتناوب، فلا شيء أسهل من جمع التأثيم ثم تجزئته وتوزيعه وفق مرامٍ والتماسات، ولا شيء أكثر إملاقاً من الوقوف صامتا وسط المعمعة، ثم التفرّغ بعد انتهائها، للتنقيب عن خطايا وآثام أولئك الذين انغمسوا في درء العاديات وقيادة السفينة ورتق الخرق ورأب الصدع.
لم تكن حكومة دولة الدكتور عبد الله النسور، بدعة من الحكومات، ولا ادعت تفويج الاقتصاد من غرف إنعاشه إلى البيت، وكذا، لم تكن سخيّة في منح الحزم ولا في تشكيل النهضات على الورق، ومن نافلة القول أنها لم تحظ بالشعبية المطلقة حين اتخذت قرارات حاسمة في مواجهة أزمات عاصفة، ومعلوم أنه ورث فريق الحكومة التي سبقته سوى أربعة وزراء أسندت لهم حقائب لأول مرة، أعيد نحو نصفهم أعضاء في الحكومة التالية، واستمروا في حكومتين لاحقتين، ونجوا من معمعة تعديلات متعددة غير مسبوقة، فما عسى المحللون أن يقولوا وهم يعلمون أن فريقا وزاريا واحدا في الأغلب تناوب على ثلاث حكومات.
وهل يتعلق الأمر، عند التقييم، بشخص الرئيس أم بالفريق الوزاري بمجمله؟
لا تعترف تقاليد السياسة العريقة بعمل منفرد لكل حكومة، وغني عن القول أن الحكومات متضامنة، بمعنى أن كل حكومة في الأغلب ملتزمة بما التزمت به سابقاتها، وعلى الرغم من ذلك، فقد تلت حكومة دولة النسور حكومتان، كان الأفق أمامهما واسعا للتقويم والرتق.
فعلامنا لا نرى في حروف المحللين شيئا من ذلك؟
إن من النزق والضآلة، أن ينتخب بعض المحللين حكومة بعينها ويقولوا فيها ما لم يقله مالك في الخمر، بينما يتفادون اشتباكاً أيا كانت قوته، في حكومات اخرى، في تجسيد واضح لمآرب متنوعة ليس من بينها العدل والمهنية على الإطلاق.
نيفاً على اشتباك حكومة دولة الحصيف أبي زهير، بمقدمات الربيع العربي العاصف وأمواج اللجوء الهادرة، وارتفاع سقوف الحراكات في الشارع الأردني، واضطراب النَّسَق الإقتصادي والسياسي والثقافي في دول الإقليم، فقد كانت الحكومة على قدر قريب مما توقعه الناس منها، وبالطبع فإنه كان عليها، كيلا يمتد الإضطراب والقلق لهذه البلاد، اجتراح حلول سياسية واقتصادية قاسية ومؤلمة أحياناً، لكنها كانت سبيل التجديف الوحيد للخروج من المستنقع السياسي والاقتصادي في الإقليم برمته.
سأكتفي في هذه المرافعة، بما جاء في رسالة جلالة الملك التي قبل فيها استقالة حكومة دولة النسور ثناءً وإشادة وإطْرَاء لأداء الحكومة، حيث ورد في رسالة جلالته " وقد كان لأدائكم في التحضير لمنظومة التشريعات السياسية، كالتعديلات الدستورية وقوانين الانتخاب واللامركزية والبلديات والأحزاب والنزاهة والشفافية، ومنظومة التشريعات الاقتصادية كقوانين ضريبة الدخل والاستثمار والشراكة بين القطاع العام والخاص وصندوق الاستثمار. وكان لتعاونكم المطلق مع السلطة التشريعية في استكمال هذه المنظومات وغيرها من التشريعات، أكبر الأثر في إخراجها إلى حيز التنفيذ، وهي التي تشكل ركيزة الإصلاحات السياسية والاقتصادية لتضعنا على طريق معبد واضح المعالم نحو المستقبل المشرق.
وإنني أقدر لكم ولزملائكم الوزراء متابعتكم الحثيثة وأفكاركم الخلاقة للحد من هذه الاختناقات والتشوهات من خلال الرؤى المستقبلية للاقتصاد الوطني والتحضير لمؤتمر لندن ومتابعة مخرجاته والتواصل مع المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية. ولقد نفذتم توجيهاتنا لكم بكفاءة ومهنية عالية. والأمل معقود على هذه الجهود الطيبة لمستقبل الاقتصاد الوطني ووضعه في الحدود المالية والنقدية الآمنة ورفع معدلات النمو والتصدي لمشكلة الفقر والبطالة."
هذه شهادة سيد البلاد في هذه الحكومة، فماذا يمكن للأوتوغرافات الإلكترونية أن تقول قولا على هذا القول ؟!
يتيح الدستور وتتيح مختلف التشريعات، سبلا ناجعة لتقييم الحكومات وفق ضوابط قانونية ذات اعتبارات كثيرة، وبينما تُحفظ مسوغات القرارات وأسبابها الموجبة، لكل حكومة، وفق نظام أرشفة منيع، فإن سبل هذا التقييم سانحة أمام الجهات ذات الإختصاص، كيلا تسقط هذه التقاليد الوطنية الراسخة في مستنقع اغتيال الشخصيات وحروب الثارات.