لم يعد خافيا على من يتابع النشاط الدبلوماسي الأردني الجديد إقليميا وحتى عالميا , أن المملكة شرعت في إنتهاج إستراتيجية هادئة متدرجة وغيرإنفعالية , في " تصميم " علاقاتها العربية والدولية , وفقا لثابت رئيس ووحيد مضمونه أن المصالح العليا للدولة , تتقدم على أية إعتبارات غيرها .
يتضح هذا من خلال الزيارات والإستقبالات وحتى التعامل مع السفارات العاملة في المملكة , وكأنما يقول " العقل السياسي المرجعي " ودونما تصريح أو حتى تلميح , نحن لا نخاصم أحدا, وحلفنا الإستراتيجي هو بالضرورة مع من يخدم مصالحنا ولا يتناقض معنا , والأهم , نحن لسنا في جيب أحد أيا كان ,عربيا أو أجنبيا .
ذلك نهج سياسي سليم تماما , وهو بالضرورة " ثمرة " مراجعة معمقة لما شهده عالمنا العربي والإقليم عموما , من تطورات وأحداث جسام خلال العقد الأخير الذي إرتهنت فيه مواقف الدول لإفرازات ما يسمى بربيع العرب من جهة , ولما تسمى صفقة القرن من جهة ثانية .
وعليه , فالأردن اليوم يخرج طوعا ودونما جلبة , من دوامة تحالفات عدة على طريقة " من يخطو نحوي خطوة ساخطو نحوه مثلها لا أكثر , ومن لا يفعل فلن أفعل " .
شخصيا , أجزم أن هذه سياسة خارجية حكيمة ناجعة ومثمرة قطعا ولو بعد حين , لا بل ففيها الطريق الصحيح نحو تكريس الدور المحوري التاريخي للمملكة إقليميا ودوليا أيضا , فعالم اليوم لا " صداقات " فيه , إلا بقدر ما يحقق ذلك مصالح هذا الطرف أو ذاك , وإلا فلا داعي لصداقات لا تؤتي ثمارها , هذا إن لم تكن أصلا بلا فائدة.
ميزة النهج السياسي الأردني الجديد إن جاز الوصف , أنه لا يجافي أحدا, ولا يصطف إلى جانب أحد في مواجة أحد آخر , بل هو يسعى إن أمكن, لعلاقات حسنة مع الجميع ما دام الطرف الآخر يرغب في ذلك , وإن تعذر عليه , فهذا شأنه هو وحده .
سأتطفل وأقول , أنني أشتم رائحة " قرار ملكي عال " على هذا الصعيد , فالبصمة فيه واضحة , وهو قراره يباركه كل مواطن بالضرورة , فنحن نخاصم من يبدأ هو بخصامنا , ونصالح من يتصالح معنا لجهة صون مصالحنا الوطنية العليا , والمصالح العامة لشعبنا , ولا شأن لنا بخصومات غيرنا , وإن إستطعنا , فلا يضيرنا العمل على إنهائها , شرط أن يتوافق ذلك , مع مصالحنا نحن أيضا .
أستحضر ما كنت قلته في مقال سابق قديم نسبيا , وهو أن عالم اليوم كله بلا إستثناء , لا يستجيب إلا لسياسة " العين الحمرا " . الكبار والصغار وما بينهما في عالمنا اليوم , كل يبحث عن مصالحه, وكل يرغب في أن يسود , ولن يكون له ذلك بالطبع , إلا على حساب مصالح الآخرين .
سأكون , شأني شأن سائر الأردنيين ومن كل مشرب , مرتاح البال والضمير , أذا ما إستمر هذا النهج السياسي الخارجي القوي, وبهدوء ودونما صخب . هذا من جهة , وإذا ما رافقه من جهة ثانية , نهج سياسي داخلي مشابه يستند إلى مشروعية مقولة أن من تغطى برداء شعبه , لن يتعب أبدا , وستكون له الغلبة بإذن الله في كل أمر . وللحديث بقية .
والله من وراء قصدي .