القضية الفلسطينية في الميزان
د.حسام العتوم
06-03-2020 12:29 AM
تنفرد فلسطين بأن قضيتها العادلة هي الاقدم في التاريخ المعاصر وسط قضايا العرب الاحتلالية، وعيون الصهيونية لاحقتها حتى قبل الانتداب البريطاني 1920، وقبل السيطرة العثمانية، وتمتد إلى عمق مؤتمر بازل 1897 عندما اظهر تيودور هرتزل رغبته بإقامة وطن قومي لليهود على ارض فلسطين تحديداً، وفي التوراة ارض الميعاد، والتفاف صهيوني مبكر على عصبة الأمم، وبعد ذلك على الأمم المتحدة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية 1918/1945.
ويذكر بيان نويهض الحوت في كتابه فلسطين القضية. الشعب. الحضارة ص82 (وجود الكنعانيين ما قبل سبعة الاف سنة، وذلك من خلال تتبع الاثار في مدنهم القديمة، واقدمها مدينة اريحا الباقية حتى اليوم، وهي تعتبر اقدم مدينة في العالم، وفي صفحة 385 يكتب الحوت «يعرف اليهود فلسطين بالعبرية باسم (ييشوف), ومنذ توافد الهجرات اليهودية من روسيا وسواها، ولا سيما منذ سنة 1882، اصبح يهود فلسطين يعرفون باسم الييشوف القديم، تميزا لهم من الييشوف الجديد.
وقرار تقسيم فلسطين صدر عام 1947 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت رقم (181) للإبقاء على دولة عربية وانتاج اخرى يهودية، ورصدا صهيونيا مسبقا لاحتمال رفض العرب لقرار التقسيم لأنه يمس بقدسية ووحدة ارض فلسطين، وأهلها الشرعيين الضاربة جذورهم في عمق التاريخ الكنعاني منذ العصر البرونزي.
وبما ان العرب رفضوا قرار التقسيم سابق الذكر قررت الصهيونية شن حرب رابحة سمّاها العرب بنكبة 1948 بهدف السيطرة على جزء هام من أرض فلسطين وفقا لأحكام القرار ذاته.
واسرائيل (بن غوريون) هي من خططت لامتلاك السلاح غير التقليدي (النووي وغيره) لحماية احتلالها، وتحالفت مع اميركا واوربا، ووقفت مؤسسة (الايباك) منذ عام 1953 سنداً لها، وكذلك (الكونغرس)، و(البنتاغون). وشهد نهاية عامي 1948 وبداية عام 1950 توقيعا للوحدة الوطنية الاردنية الفلسطينية المقدسة.
ولقد حقق التعاون اللوجستي الاسرائيلي والغربي – الاميركي مفعوله عندما استهدف اضعاف الاسناد الاقتصادي ومنه العسكري للعرب قبل حرب 1967 لكسب نصر متوقع، ولقد تم افشال الحرب العربية آنذاك التي اندلعت تحت شعار للزعيم جمال عبد الناصر «ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة»، وشملت الخسارة مساحات واسعة من فلسطين، والجولان، وسيناء. وكان للفيتو السوفيتي دور في وضع حد لنهاية الحرب التي تم زج الاردن بها في الساعات الأخيرة.
وشكل الخندق الواحد الأردني – الفلسطيني مدرسة عربية في النصر الاكيد في معركة الكرامة العظيمة عام 1968، وسجلت قواتنا المسلحة الاردنية الباسلة الجيش العربي واهل فلسطين تاريخاً مشرقا باسم العرب. ونصراً مؤزراً. وفي عام 1970 عبر الصراع العربي الاسرائيلي مأزقا اسود تم الانتصار عليه بقوة الوحدة الوطنية التي تحولت إلى مقدسة وخط أحمر.
ولم يهدأ العرب، وقاد التحرير عام 1973 الرئيس الراحل حافظ الأسد طالباً العون من مصر، والعراق، ومن الأردن في اللحظات الأخيرة كالعادة، وكان لمشاركة الجيش الأردني الباسل أهمية بالغة في المساهمة في تحرير جزء من مدينة القنيطرة الجولانية. وابدع السلاح السوفيتي من جديد في حسم المعركة لصالح العرب وفرض الأمر الواقع على اسرائيل.
وشكلت قمة الرباط عام 1974 تحولاً في بوصلة القضية الفلسطينية عندما تم اعلان التمثيل الشرعي والوحيد لمنظمة التحرير الفلسطينية، والاعلان الاردني بعد ذلك عن فك الارتباط القانوني والاداري عن الضفة الغربية عام 1988، والابقاء على الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس بطبيعة الحال.
والاهم هنا ان نعرف بأن الاتفاقات الهامة حول القضية الفلسطينية سواء اتفقنا معها ام اختلفنا مثل اوسلو 1993 وقبلها مدريد 1991 عقدت من دون مشاركة روسيا، وفي هذا السياق اضواء على الحرب الباردة التي فرضها الغرب الاميركي وما زال، ومن بين اهدافها ابعاد روسيا المعارضة عن حلبة السياسة الدولية، واظهار اميركا كونها تملك سلطة العالم في زمن تنادي فيه روسيا بعالم متعدد الاقطاب ومتوازن تسوده الشرعية الدولية عبر القانون الدولي، والامم المتحدة، ومجلس الامن، والمحكمة الدولية.
والاردن كما دول العرب الاكثر انسجاماً مع موسكو بشأن قضية فلسطين، وهو معني مباشرة بمخرجات القضية وحلولها النهائية، والأكثر تأثراً بسلبيات صفقة القرن او صك القرن لا فرق بعد فلسطين، ومع هذا وذاك يحافظ على علاقته الاستراتيجية مع اميركا، ويوازن بوصلته الخارجية مع روسيا واميركا، ومع اوروبا في الشأن الفلسطيني خاصة. ويعتبر – اي الأردن – بأن المساس بغور الاردن مهدد لمستقبل معاهدة السلام مع اسرائيل الموقعة عام 1994.
وشخصيا اتابع لقاءات جلالة الملك عبدالله الثاني «حفظه الله» مع القيادتين الروسية والأميركية، وقيادات العالم، وتركيز جلالته على حل الدولتين، ولكي تصبح القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، بينما هي صفقة القرن نتاج اسرائيلي اميركي مشترك مخالف للتوجه الاردني والعربي، وتصريح حديث لدولة عمر الرزاز لمحطة (سي. ان. ان) الاميركية بأن معاهدة السلام بين الأردن واسرائيل، يمكن ان تدخل في حالة الجمود العميق، وبالتالي فهي بالتأكيد معرضة للخطر. واكد رئيس الوزراء بأن العلاقة بين الأردن والولايات المتحدة عميقة وتاريخية واستراتيجية، وهذا حالها مع جميع الادارات الاميركية، ومع الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، والشعب الاميركي، لذلك لسنا قلقين من أن تتأثر هذه العلاقة الاستراتيجية.
وتأكيداً لوزيري الخارجية الاردنية ايمن الصفدي والروسي سيرجي لافروف قبل ايام على التقدم في العلاقات الثنائية التي بناها جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس بوتين، واتفق الصفدي ولافروف على ان قرارات الشرعية يجب ان تكوّن الاطار والمرجعية لجهود حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين. والان الضوء الوحيد الذي ظهر وسط اميركا لصالح القضية الفلسطينية يتمثل باحتمال فوز المرشح الديموقراطي الاشتراكي بيرني ساندرز الذي يدين السلوك الاسرائيلي ويساند اهل فلسطين وقضيتهم العادلة، وليس امامنا نحن العرب غير الوحدة للرد على رسائل اسرائيل المشبوهة ومن يرعاها.
(الرأي)