في لحظة وصل كورونا الى الاردن ودول الاقليم، وزاد منسوب انتشاره بسرعة فائقة في العالم من اوروبا واسيا وامريكا الى افريقيا، وكيف تحولت مدن الى مدن اشباح خاوية ومنع للتجوال، ولا يسمع غير اصوات الغربان، الناس قلوبهم تتوقد خوفا ورهبة من مرض فايروسي غريب وفتاك، وقلوبهم ترتجف خوفا ولربما لم يغب عن ذاكرتها اوبئة وامراض مستشرية اهلكت اقواما وامما سالفة.
الطاعون والسل والحصبة والجدري والجفاف والحمى فتكت بمجتمعات الشرق الاوسط. وشعوب افنتها الأوئبة، وانمحت عن الوجود، ولربما أن الأوبئة في التاريخ كانت اشد فتكا وتأثيرا من السياسة والحروب والحملات العسكرية. والوباء تاريخيا قديم من أول الحضارات التي دونت الوباء البابلية والاشورية العراقية، والفراعنة المصريون، والانباط العرب.
الأوبئة اخذت مكانا متميزا في الادب العالمي والتراث الادبي العربي، وتحولت لثيمة ابداعية. من ماركيز في مئة عام من العزلة، والحب في زمن الكوليرا، والطاعون، وجان لانتوفان وانتوان ارتو، والبير كامو، وخوسيه ساراموغا. من تراثنا الادبي الجاحظ والثعالبي والسيوطي عن رواية الوعظ الديني واستخلاص العبر من الامراض والأوبئة كما جاءت في النص القرآني والمحمدي، وفي مروياتهم سيسوا وانسنوا الوباء، وربطوه في صراعات ونزاعات ومجالات خارجة عن الحكمة الدينية والابتلاء الالهي، فالجاحظ استعمل الطاعون للطعن سياسيا في بني امية خصوم العباسيين حكام بغداد في ذلك الزمن.
الانفلونزا وكورونا فايروسات معاصرة، ولم تأخذ مكانا في الادب كالأوبئة السابقة، ولكن لربما أن الانسان في القرن الحادي والعشرين، ومع معايشة الكورونا اليومية يحتاج بالالحاح الى فتح دفاتر الذاكرة ليفك العزلة الكورونا، ويقرأ ماذا كتب الادباء في الأوبئة من ماركيز الى الجاحظ وغيرهما. متسع من التأمل تستحقه الكورونا على قسوة وقوعها على يوميات الناس بما خلفت من ذعر وخوف وقلق ورهاب من المرض.
من حديث كورونا الاعلام استخلص مصطلح "الكورونوفوبيا"،و هو يجسد حالة الخوف والقلق من الاشخاص ذوي الملامح الاسيوية، ويصل الى حد التمييز العنصري. وهذا يعود الى خلط مغلوط وغير منطقي واستنتاج غبي حول علاقة المكان جغرافيا بانتشار المرض، لاعتبار ان الصين ودول اسيا مصدر الفيروس.
مواقف في بلدان عربية بدأت فاضحة لاصحاب المواقف من مواطنين اسيويين. كلام حمل اساءة وتجريحا للشخصية الصينية والاسيوية.
الفوبيا مرض حضاري اممي، ولربما ان العرب والمسلمين اكثر ما يواجهونها في العالم وخصوصا في امريكا واوروبا ما يسمى الاسلام فوبيا. ومن سافر الى ودول الغرب في موجة احداث سبتمبر وما بعد ولادة داعش لامس ما يواجه العربي والمسلم من حقد وسوء معاملة من قبل المجتمعات والافراد، وبشكل اتهامي واسقاطي يحمل الفرد مسؤولية ما يصيب العالم من ارهاب فقط لكونه عربيا ومسلما.
في الاردن انتشرت فيديوهات اثنين تحمل وقائع تشير الى قيم "كورونوفبيا". والامن العام في حادثة الاعتداء على مواطن كوري تمكن من القاء القبض على المعتدين خلال ساعات قليلة.
ازمة الكورونا على خطورتها الصحية فانه يجب ان تفيق ما هو انساني وفطري وسلمي في سلوكنا وفكرنا وثقافتنا. الصين وكوريا الجنوبية وكما بلدان اخرى ابتليت بالفيروس، ولكن مختبراتها ومراكز ابحاثها ودور العلم وعقول باحثيها وعلمائها متوقدة وحواسها تنفجر بحثا عن علاج وعقار يقاوم الفيروس ويقلته، والدواء المضاد بحكم ما نطالع من تقدم علمي وبحثي هائل سوف يأتي من اسيا القديمة: الصين واليابان وكوريا الجنوبية.
(الدستور)