في حديث لإذاعة البي بي سي، يقول مختصون إنّ الفاتيكان أعلنت مؤخراً عن إتاحة الأرشيف وفتحه امام الباحثين، ورفع السرية عن وثائق تعالج حقب مختلفة مثل "النازية".
وأهمية هذا القرار، أنّه يأتي من كبرى الأمكنة التي تحفظ الأرشيف في العالم، حيث إنّ أرشيف الفاتيكان، أنشئ فى أوائل القرن الـ17 على يد البابا بولس الخامس، وأصبح الأرشيف متاحا للباحثين منذ 1881م ولكن بعض الوثائق أبقي عليها سرية وجرى رفع تدريجي عن سريتها في حقب مختلفة.
إنّ هذا الحديث يقود إلى أرشيف كنائسنا بالمنطقة العربية، وهو أرشيف مهم، وما زال الكثير منه محفوظاً ولم تصل أيدي الباحثين إليه، فالكنائس تميزت بأنها مؤسسات متكاملة بقيت حاضرة ولم تتغير بتغير الحقب التي مرت بها المنطقة.
ويقال إنّ كثيراً من زوار المنطقة ومستشرقيها عندما كانوا يأتون إليها ويكتبون تقارير عنها أو يجرون الدراسات كانوا يودعون نسخاً منها في الكنائس، حتى إن داهمتمهم العوادي بطريق عودتهم يكون جهدهم محفوظاً.
ولا ننسى هنا ذكر جهود رجال الدين المسيحيين والأوائل منهم خاصة في التوثيق لجوانب تاريخية مرت بها المنطقة، وجهودهم الأدبية.
فمثالاً، صحيفة البشير اللبنانية التي بدأت بالصدور منذ منتصف القرن الثامن واستمرت حتى عام 1947م، فهي صحيفة كانت تصدر عن الآباء اليسوعيين، وفيها توثيق وتقارير متميزة عن المنطقة وحواضرها كافة.
ففي تلك الفترة كان الآباء اليسوعيين هم الملمين بالكتابة التي لم تكن منتشرة بين العامة، إثر الأمية التي فرضتها الدولة العثمانية على المجتمعات العربية، ووثقت هذه الصحيفة لجوانب تتجاوز تاريخ لبنان إلى سوريا والأردن وفلسطين وسواها من البلاد العربية.
ومثالاً، ما نشرته الصحيفة في العدد رقم (3672)و الصادر بتاريخ 16 أب لعام 1927 م، بقلم الأرشمندنت داميانوس شبارخ الوكيل البطريركي بالسلط و شرقي الأردن تحت عنوان " حديث لسمو الأمير عبدالله " .
وتقول الصحيفة إنّ "أهالي السلط قد رفعوا عريضة إلى سمو الأمير عبدالله و إلى فخامة رئيس النظار و إلى المعتمد البريطاني طلبوا بها الحكومة المساعدة لأجل ترميم بيوتهم المتخربة ومعاملتهم كما عاملت مأموريها الذين دفعت لهم معاش ستة أشهر سلفاً لأجل إصلاح بيوتهم ".
وعلى إثر هذه العريضة إستدعى الأمير عبدالله الأرشمنديت ووفد من أهالي السلط ناقلةً لنا بقلم الأرشمنديت الحديث الذي دار بينهم و سمو الأمير، بقوله للأرشمنديت ... " إستدعيناكم اليوم بمهمة لكي تبينوا للسلطيين أصحاب العريضة شدة إهتمامنا بهم وعطفنا عليهم وكم نسعى لتخفيف مصابهم بكل ما لدينا من وسائل".
وتستعرض الصحيفة أنّ الأمير بذل جهده ليخفف العبء عنهم وعلامات التأثر و الحنان بادية على محياه، بقوله : " لقد كتبنا إلى اللورد بلومر بهذا الصدد و إلى خالنا بمصر أيضاُ ؛ ولنا قطعة أرض بالعراق عرضناها للبيع... كل ذلك لكي نساعد المنكوبين على قدر الإمكان ..الضربة جسيمة و المصيبة عمومية ومالية الحكومة تحت الرقابة لا تحت تصرفنا المطلق ".
وبالعودة إلى أرشيف الكنائس في منطقتنا فهي اليوم مدعوة لتصنيف أرشيفها وفتحه أمام الباحثين، خاصة في هذه المرحلة التي تمر بها المنطقة، فكثير من مفرداتها تعبر عن أصالتها وعيشنا المشترك.