تعرض آلاف المواطنين الأردنيين إلى معاناة كبيرة الأسبوع الماضي في يوم تساقط الثلوج في محافظات الجنوب ، وكان من المؤسف أن مئات منهم تقطعت بهم السبل بعد إغلاق الطرق والتأخير الكبير في عملية الإنقاذ والاستجابة لهذا الحصار الذي فرضته الطبيعة
.
هذه ليست حالة خلاف سياسي مع الحكومة ، بل هو توثيق لحالة تقصير غير مقبولة وتحتاج إلى المساءلة ودقة تشخيص الأسباب حتى لا تتكرر لأننا لا نزال في بداية الموسم الشتوي ، وإذا كان اسلوب العصبية والغضب والنكران هو الذي سوف يسود تقييم طريقة التعامل مع تساقط الثلوج والأمطار الغزيرة ، فإن نصيحتنا للناس هي البقاء في منازلهم إذا أمكن ذلك طوال فصل الشتاء بدلا من أن يكونوا ضحية في خلاف على المسؤوليات والسلطات بين الجهات المختصة.
بدأت المشكلة من تنبؤات الجو ، ففي الوقت الذي تطورت فيه وسائل التنبؤ بالتكنولوجيا الحديثة وأصبحت تفاصيل الجو في عمان قابلة للنشر على مواقع الإنترنت العالمية لمدة اسبوع مقدما ، لا تزال الطريقة التي تتم بها صياغة التوقعات الجوية في الأردن تعود إلى عقود مضت.
أعلنت دائرة الأرصاد الجوية أن "الثلوج سوف تتساقط على المرتفعات التي يزيد ارتفاعها عن 700 متر" وهكذا انتهى الإعلان. لم تكن هناك معلومات عن الحجم المتوقع للثلوج ومواقع التساقط ، ومع أن هذه التقديرات تبقى دائما صعبة التحديد في ظل التقلبات الجوية ، فإن بعض التفاصيل كان يمكن أن تكون مفيدة.
الذي حصل هو أن سكان عمان احتاطوا للثلوج واستنفرت الأجهزة المختصة في عمان ولكن في الجنوب كانت المعلومات غائبة.
من الناحية العلمية يلاحظ في السنوات القليلة الماضية وجود تغير في نمط وأوقات تساقط الأمطار والثلوج على الأردن ، حيث اصبح فصل الشتاء الحقيقي يبدأ في كانون الأول ويتركز تساقط الأمطار والثلوج في المناطق الشرقية والجنوبية وهذه ظاهرة قد تكون مرتبطة بالتغير المناخي العالمي الذي لا يعني فقط زيادة حرارة الكوكب ، بل أيضا تغيرات محلية في أنماط تساقط الأمطار وربما يكون التغير قد بدأ في الأردن في التركيز على مناطق الجنوب.
من المفترض أن تكون هناك خطة طوارئ عملية يتم تطويرها في كل محافظة وبإدارة الحاكم الإداري لاتخاذ القرارات السليمة حول تحرك الآليات الثقيلة وأوقات الدوام الرسمي في القطاع العام وتعطيل المدارس والجامعات ، وهذه الآلية من التنسيق يفترض أن تكون سريعة وفعالة ولا تتعطل لأسباب بيروقراطية أهمها تسلسل الهرمية في اتخاذ القرار والصراع على الصلاحيات والذي ينتهي بمجرد ارتكاب الخطأ والتقصير ، حيث تصبح المهارة هي في التنصل من الصلاحيات والمسؤوليات لا الصراع عليها.
من المؤسف أيضا تقاعس القطاع الخاص عن الدور المطلوب منه واستثمار الإمكانات المتاحة ، حيث لم تتحرك الشركات الكبيرة مثل الإسمنت والفوسفات الموجودة في محافظات الجنوب للمساعدة في عمليات الدعم والإنقاذ وممارسة دور تنموي إيجابي حيث تتوقف فجأة الشراكة بين القطاع الخاص والعام وتتوقف مطالبات القطاع الخاص للحكومة بتسهيل كل وسائل الاستثمار والتخفيف من قيود حماية البيئة والعمالة ، حيث يتخلى القطاع الخاص تماما عن مسؤولياته.
مظاهر أخرى مؤسفة حدثت اثناء هذه العاصفة ومنها انقطاع الكهرباء لفترات طويلة عن المنازل وحصار مجموعات من الطالبات في الباصات في مشهد حرج جدا من الناحية الإنسانية والاجتماعية وانقطاع شبكات الهاتف الخلوي التي لا تتحمل الضغط الناجم عن زيادة عدد المشتركين ، والكثير من الحالات التي جعلت الجنوب منطقة منكوبة في الأردن نتيجة تساقط الثلج في القرن الحادي والعشرين ، وهي حالة لا بد من مراجعتها ودراسة وتقييم أخطائها حتى لا تتكرر ، وكل هذا بعيدا عن الاتهامات والعصبية ورفض النقد والذي تميز به بعض المسؤولين في الأيام الماضية.