حديث واسع يدور في الساحة السياسية الاردنية حول رحيل الحكومة او بقائها ،مع ترويج البعض عن تعديل على حكومته يوحي ببقاء الرئيس للمرحلة القادمة .
ولعل ترجيح بعض النخب السياسية لبقاء الحكومة ، انما يقوم على خلفية المشروع الاقتصادي والاستراتيجيات التي اعلنتها الحكومة واشارت الى انها بدأت تأتي بنتائجها الايجابية من خلال مؤشرات معينة وخاصة نمو الصادرات، وارتفاع اعداد السياح ، وزيادة نسبة التشغيل ، ورشاقة الجهاز الاداري وانعكاس ذلك على النفقات الجارية ، وادارة الملف الصحي والتقارب من النواب وغيرها . ويعتقد مروجو هذه الافكار ومنهم وزراء حكوميين بانها مؤشر على نجاح الحكومة في وضع الخطوط العريضة لمسيرة الاصلاح الشامل في البلد .
الفريق الثاني الذي يرى رحيل الحكومة انما اعتمد على حرص الملك على رسوخ القيم الدستورية ، والذي يسعى منذ فترة طويلة لبناء تقاليد واعراف دستورية تحقق مفاهيم الدولة المدنية وتعزيز دولة القانون , وهذا يتطلب المحافظة على المتطلبات الدستورية بكل اسسها الثابتة التي تقضي باستقالة الحكومة بعد حل مجلس النواب والاعلان عن اجراء الانتخابات البرلمانية في غضون اربعة اشهر من حله , على ان تكلف حكومة مؤقتة تدير الانتخابات تستقيل مع بداية المجلس الجديد لتشكل حكومة جديدة او يعيد الملك بتكليف نفس الحكومة . وبهذا يتم النظر الى طبيعة المجلس وتشكل الكتل ومدى تأطير الحكومة الجديدة بالبرامج والتطلعات التي تضعها الكتل البرلمانية وتتفاهم بها مع الرئيس الكلف الجديد. وهذا يشير الى الاحترام الاكيد للدستور وعدم القفز فوق ثوابته .
هذا اضافة لقناعة الملك في أن الحكومة معنية برضى النواب عنها وان النواب مرتبطون بمدى رؤية ورضا الشعب عنهم, ولا اعتقد ان اي مجلس قادم سيكون راضيا عن الاداء الحكومي الحالي وخاصة واننا ما زلنا نعاني من نفس الشكاوى و التظلمات و التعابير ومن شرائح المجتمع كافة منذ عهود حكومات متعددة .
ولكن السؤال المتداول بين الناس ايضا ، ما هي ملامح الواقع الاردني الحاضر والمستقبلي ، وما هي الاطر التي سيتم العمل فيها لتعدي المرحلة القادمة بكل تحدياتها ؟؟ , فالاردن على الصعيد المحلي يعاني من عدة ملفات صعبة اولها الواقع الاقتصادي المأزوم وما ارتبط به من فقر وارتفاع معدلات البطالة , وضعف في النمو وزيادة التضخم وتآكل الرواتب وضعف الدخل وتراجع القطاع الخاصة وهروب راس المال وبالتالي تراجع الاستثمار جنبا الى جنب فشل الادارة الحكومية وغياب الحوكمة الرشيدة وتفشي الفساد الاداري وافراغ المؤسسات دون خطط الاحلال وتبني قرارات قائمة على المصالح والشللية والواسطة في المناصب والتعيينات مما افقدها الثقة , وتجاوز الامر الى خروج الناس عن المألوف في الهجوم على الكثير من الممارسات الحكومية؟!
اما الملف الاقليمي الذي تتصدره القضية الفلسطينية وتحديات صفقة القرن وخاصة مع تاكيد الاسرائيليين من جديد ميلهم لليمين المتطرف باختيارهم نتنياهو , فان مواجهة التطلعات العنصرية التي تمثلت بصفقة القرن وبدعم من الادارة الامريكية يحتاج الى واقع اردني آمن ومستقر ، وتفهم ووعي شعبي عام يوحد المواقف ويبني سدا منيعا امام المؤامرات المختلفة . هذا اضافة الى الملف السوري الذي اختلطت به الاوراق من جديد مع تدخل تركيا السافر على بلد عربي مستقل ووجود تجاذبات دولية تحاول الهيمنة والحصول على مصالحها على حساب الشعب السوري وشعوب المنطقة باسرها . كذلك الواقع العراقي غير المستقر الذي يهدد في اي لحظة انفجار الوضع الداخلي.
وهناك ايران وايدولوجيتها التوسعية وتدخلها بشؤون الامة ، والوضع بالخليج والحرب الليبية واليمنية وملفات أخرى تؤثر على واقع الامن في المنطقة.
ففي خضم هذه التحديات وصعوبات اخرى جسيمة داخلية وخارجية , يتساءل الفرد منا ، ما هي ملامح الحكومة القادمة وما هي مواصفات مجلس النواب القادم . ولعلنا نقول هنا بأن الابقاء على قانون الانتخاب كما هو ، يعني ان مواصفات المجلس القادم لن تختلف عن الحالي , فيمكن ان تتغير بعض او عدد من الوجوه الا ان الاتجاهات ستبقى ثابة والخطاب السياسي لن يتغير بشيء . اما بالنسبة للحكومة , فان جلالة الملك يحرص دائما على اعطاء الملف الاقتصادي الاولوية الاولى لحكوماته المكلفة . لهذا وجب على الحكومة القادمة ورئيسها باحداث تقدم اقتصادي ملموس ومواجهة تحدياته وترجمة ذلك الى نتائج ملموسة يدركها كل الناس. الحكومة القادمة ورئيسها معنية باعادة الثقة بالمؤسسات وفي مقدمتها مؤسسة الرئاسة برئيسها ووزرائها وموظفيها بحيث تكون الشخصيات الحكومية ذات ثقة ومصداقية بين الناس، وذات ثقل آدائي متميز في المجال الاقتصادي والسياسي ، وذات احترام لدى شرائح المجتمع باكمله، وذات خبرات ومهارات علمية متعددة لتجنب الفشل في المنعطفات الاولى كما هو حاصل بالحكومات المتعاقبة , فالرئيس ووزرائه لا بد وان يكونوا ذو نزاهة وسمعة يحترمها الناس ويقدروها , بغض النظر عن الاسماء الرنانة التي نسمعها في الصالونات وبين النخب السياسة التي تروج لنفسها . الرئيس الجديد لا بد وان يتمتع بشخصية وكرزما قوية تمنع التغول علية او التحكم بقراره بشكل غير دستوري من قبل مراكز القوى الاخرى او فرض استحقاقات انتخابية على حساب العدالة والقانون كما هو حاصل الان . اختيار الرئيس للمرحلة القادمة اختيار صعب بصعوبة الظروف والتحديات , وما علينا الا الدعاء بالتوفيق لهذا الوطن ومليكه في مواجهة التحديات , التي تتطلب الصادقين الشرفاء وهم كثر في هذا الوطن.