ممّا منّ الله به علينا في بلدنا المبارك –الأردنّ- كثرة الأضرحة التي ضمّت بين جنباتها أجسادا طاهرة، للصحابة الكرام رضي الله عنهم، وللأولياء والصالحين، والعلماء العاملين، رحمهم الله جميعا.
ومن أهمّ هذه الأضرحة ضريح سيِّدنا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو ابن عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخو سيّدنا عليٍّ رضي الله عنه، وقد قال فيه نبيُّنا المُكرّمُ المعظّم: « أشبهت خَلْقي وخُلُقي يا جعفر» رواه البخاري، وهذه منقبة عظيمة، وخصوصيّة كريمة، تدلُّ على عُلوِّ المنزلة والمكانة، عند الله تعالى، وعند رسوله صلى الله عليه وسلم صاحب الخلق العظيم، بنصِّ القرآن الكريم.
فإذا وقف الإنسان أمام ضريح هذا الصحابيّ الجليل، وتذّكّر الحديث السابق، سينتابه شعور الاحترام والتّقدير لشخصٍ شهد له النبي الأعظم، صلى الله عليه وسلم، بحسنِ الخُلُق، وجمال الخَلقِ والصورة، كما سيشعر أنه يقف أمام روضة من رياض الجنّة، إذ هذا الصّحابي الجليل القائد، من شهداء معركة مؤتة، ولا يخفى على أحدٍ منزلة الشهداء عند ربهم.
وعندما نتذكّر أن هذا الشهيد السّعيد من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنّه كان يقبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتضنه، ويجلس بجواره، ويكلمه، ويضمّه ويشمّه، طافت بأرواحنا نسائم الشوق لحبيب الله ورسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وصرنا نتنفّس ذلك العبقَ النبويَّ الذي يفوحُ عطره من المرقد الشريف، وصرنا نطرب على أنوار تجليّات النبوة التي انعكست في وجه وجسد هذا الشهيد، وجعلته من الصّحابة الكرام عليهم رضوان الله أجمعين، ولا شكّ أنّ هذا النورَ سارٍ إلى يوم القيامة، لا ينقطع عن الأمة المحمدية أبدا، مهما حاول البعض أن يطفئه (يرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) وإنّ كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم نوران لهذه الأمة وضياء، لا ينقضي نورهما حتى يرث الله الأرض ومن عليها، بل سيستمرّ نورهما في القبر، والمحشر، وعلى الصراط، وعند الميزان، وفي الحساب، وعند تطاير الصّحف.
ومثل ما سبق يُقال عند زيارة كلّ ضريح للصحابة الكرام، فهي أضرحة عزٍّ تذكّرنا برجال قدّموا أرواحهم ودماءهم ليدافعوا عن دين الله تعالى، ويبلّغوا دعوته للناس جميعا، نفعنا الله تعالى بهم، وأعلى من قدرهم، وأدخلنا في زمرتهم، وحشرنا معهم، تحت لواء سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
الدستور