مع كل (كلاسيكو) إسباني ينقسم عشاق الكرة المستديرة إلى مؤازر للفريق الكاتالوني ومناصر للفريق الملكي.
ومما يثير الدهشة والإستغراب لدي أن معظم أنصار كل من الفريقين غير الإسبانيين لا يدركون أسرار حساسية اللقاء بين الغريمين التقليديين ولا يعرفون أسباب ما يتخلله من أجواء مشحونة بالتوتر والشد العصبي تخيم على نفوس مشجعي كل من الفريقين المحليين.
هذا ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى رغبة مواطني مقاطعة كاتالونيا –وعاصمتها برشلونة- بالإستقلال عن الحكم الملكي الذي يتخذ مدريد عاصمة لمملكة إسبانيا ويرفض بشدة فكرة إنفصال المقاطعة عن المملكة.
فما شأني بهذا النزاع الذي حشرت أنفي فيه بإنحياز أعمى للفريق الملكي؟! لماذا أقحمت نفسي في صراع لا ناقة لي فيه ولا جمل؟! لماذا أصبحت جزءا من صراع لا مكاسب لي فيه سواء كانت مادية أم معنوية؟!
لهذا قررت ألا أكون من المتعصبين للفريق الأبيض اللؤلؤي كما كنت منذ عام (1986) حين كنت مفتونا بحركات المقص التي كان يتقن أداءها اللاعب المكسيكي هوجو سانشيز في معظم مباريات الريال، ولا يعني هذا أنني أصبحت من أنصار الفريق البلوجراني إنما أمسيت برشيديا!
وبرشيدي كلمة تضم الأحرف الثلاثة الأولى من إسم الفريق الكاتالوني (برشلونة) والأحرف الثلاثة الأخيرة من إسم الفريق الملكي (ريال مدريد) فوجدت ذلك أنجع دواء لصداع الرأس الذي يلازمني مع كل (كلاسيكو) أشاهده.
ففي كل أمسية كروية تجمع قطبي الكرة الإسبانية تجدني أثور غاضبا على حكم اللقاء كالثور الهائج مع كل خطأ تحكيمي غير مقصود له يحرم (الريال) من هدف محقق، وتجد الكآبة قد سرت في أوصال روحي مع كل هدف رائع (للبارسا) فلا يتبقى لدي أدنى رغبة في متابعة المباراة حتى الزفير الأخير من أنفاسها إذا كان (الريال) متخلفا عن غريمه، فماذا جنيت من ثوراني هذا؟! وماذا حصلت من كآبتي هذه؟!
لا شيء سوى أنني أفوت على نفسي تسعين دقيقة من كل مواجهة بين الفريقين اللذين يرسمان معا خلالها لوحة فنية إطارها الندية والإثارة، ألوانها المتعة والبهجة على خلفية من الجمل التكتيكية الآسرة بإنسيابية الكرة بين الخطوط الثلاثة ضمن إيقاع كروي صاخب تتراوح موجاته بين الهجمات الخاطفة المنسقة والدفاعات المتينة المرصوصة البنيان لكل من الفريقين.
إذن، منذ الآن وصاعدا أنا برشيدي: أصفق بحرارة لكل لاعب منهما يؤدي حركات فنية جميلة، وأحيي بروح مرحة كل لاعب منهما إذا أهدر فرصة ثمينة سانحة للتسجيل تكون قد جاءت بعد سلسلة من التمريرات البينية الدقيقة والمتقنة بحرفية عالية، وأتلذذ بأهداف أي من الفريقين.
نعم، منذ اللحظة هذه أنا برشيدي: أستمتع بمشاهدة تسعين دقيقة يدفع عقاربها جريان أفضل لاعبي العالم المنضويين تحت راية كل من الفريقين حين تتدفق براعتهم وتتفجر إبداعاتهم داخل المستطيل الأخضر الذي لا بد أن يشهد في بعض مساحاته خشونة متعمدة من أحد لاعبي الفريقين ضد أحد لاعبي خصمه.
فماذا ينفعني لو فاز أي منهما في كل مباراة وخسرت تسعين دقيقة من عمري مما فيها من رقي الأداء وجمالية اللعب حين يجتمعان معا كل مرة في كامب نو أو برنابيو أو على أرض محايدة؟
لا ينفعني بشيء، لذلك أنا برشيدي!
ماذا عنك عزيزي القارئ؟!