لا قيصر روسيا ولا سلطان تركيا أصحاب مصلحة في التصعيد وانفلات الأمور من عقالها في معركة إدلب. تركيا تريد فقط ردعاً يوقف تدفق اللاجئين لأراضيها، وروسيا تريد وقف الهجمات من مليشيات مدعومة من تركيا على قوات النظام السوري. هذه مصالح تكتيكية لا يصعب التفاهم بشأنها ولن يقبل البلدان أن يؤدي أي تضارب تكتيكي مرحلي لمواجهة مفتوحة بين جيشين كبيرين وحرب ستختلف من حيث المستوى والخسائر عن كل المواجهات السابقة. للبلدان أولويات أخرى وظروف اقتصادية وعسكرية تجعل انفلات المواجهة في سورية أمراً مكلفاً وغير مرغوب، لذلك فالأرجح أن روسيا وتركيا ستجدان صيغة للتفاهم المتبادل ضمن حدود المصالح الوطنية للدولتين.
التعارض بين روسيا وتركيا قد ينتج إذا ما استمرت الأخيرة تسعى لجعل شمال غرب سورية منطقة خارج سيطرة النظام تديرها قوات محلية مدعومة من تركيا تحقق هدفين أساسيين: وقف تدفق المهاجرين وعدم السماح بتمدد الأكراد، في حين أن روسيا تتبنى وسورية هدف بسط السيطرة على كافة الأراضي السورية بما في ذلك الشمال الغربي السوري المتمثل بمدينة إدلب وما حولها. سيكون من الصعوبة بسط السيطرة دون إحداث تدفقات بشرية للداخل التركي، وهذا أربك استحقاق بسط النفوذ بالشمال الغربي السوري. ما سيحدث إن عاجلا أم آجلا أن سورية سوف تسيطر على كافة أراضيها فهذا هو المنطق والمسار الطبيعي لنهاية الصراع. لا يمكن لتركيا لا عسكريا ولا سياسيا أن تستمر بالسيطرة على أراضي دولة أخرى بحجة حماية الحدود فالأصل والمنطق أن سورية هي من سيحمي الحدود.
هذا على الصعيد الثنائي، أما على صعيد المشهد الإقليمي فقد تؤدي الأزمة الحالية لخلق واقع تحالفات جديدة سيكون المستفيد منه سورية. عديد من دول الإقليم تعادي تركيا بسبب سلوكها التدخلي في دول الإقليم من خلال أحزاب وأيديولوجيات دينية، وقد تجد هذه الدول أن من مصلحتها دعم النظام السوري – الذي حاربته سابقا – ليكون أداة مواجهة لتركيا ونفوذها ورغبة بتقليم أظافر أردوغان الإقليمية وخطابه السياسي، وربما تعزيز فرص خسارته وحزبه لأي انتخابات قادمة من زاوية مستنقع التدخل في سورية. هذا احتمال وارد جداً فقد أفضت حسابات عديد من دول الإقليم أن وجود النظام السوري واستمراره هو الخيار الأفضل للاستقرار الإقليمي وأنه سيكون من أفضل من يحارب التطرف والتأدلج الديني بكافة صوره، وأن خطأ إزالة صدام كان إستراتيجياً لن يتكرر في سورية حتى مع الكره الشديد للنظام السوري بسبب خطابه السياسي الاستفزازي. عديد من دول الإقليم باتت تؤمن أن سورية مستقرة خالية من الإرهاب بنظام مستقر يواجه أجندة أردوغان الإسلامية في الإقليم أفضل للأمن والاستقرار الإقليميين من أي بديل آخر ولهذا فدعمها بات مصلحة إستراتيجية.
لن يستقر إقليم الشرق الأوسط ما استمر التدخل الخارجي بشؤون الدول الداخلية، وما دامت سيادة الدول لا تحترم، وما دامت الأنظمة تمعن بالقمع والقتل والظلم ما يخرج شعوبها عن طورها ويدفعها باتجاه التطرف والغلو والإرهاب. هذه بديهيات شرق أوسطية كانت ولا زالت من أسباب حروب ونزاعات هذا الإقليم المنهار أمنيا وأيديولوجيا وقيميا. روسيا وسورية وقبلهما تركيا معنية أن تتدارك الأزمة الحالية وتحلها بهدوء وتوفير مزيد من سفك الدماء من أبرياء الشعب السوري.
(الغد)