في مقالة سابقة، تحدثت عن الفساد الخليجي، وصنفته إلى نوعين: فساد صغير، يتعلق بدفع رشا لموظفين لأجل تخليص معاملة مخالفة للقانون، وهو النمط السائد في الدول الكثيفة السكان المنخفضة الدخل، وفساد كبير يتعلق بعمولات كبيرة في مشاريع وصفقات ضخمة، يحصل عليها متنفذون عبر الشركات العابرة للقارات، وهو النمط السائد في الخليج ودول متقدمة، على أن تجليات الفساد الخليجي، لا تقتصر على فساد العمولات، هناك مظاهر وتجليات للفساد الخليجي عديدة في المجتمع الخليجي، ساعد على استشرائها عوامل عدة، منها: اقتصادات الريع ووجود وفرة مالية، ضعف آليات الرصد والرقابة، ضعف الوعي الاجتماعي العام، ضعف المجتمع المدني، افتقاد الرشد الفكري والسلوكي، ضعف المعالجة، غياب رقابة الرأي العام، استعصاؤها على مدركات الفساد الدولية.
مظاهر الفساد الخليجي: يصعب حصرها، أبرزها:
1- فساد العمولات الكبيرة، يحصل عليها متنفذون في مناقصات عبر الشركات الدولية.
2- فساد تزاوج السلطة برأس المال: عمر رضي الله عنه، منع ولاته الاشتغال بالتجارة، وحاسبهم طبقاً لـ«من أين لك هذا؟»، لأن تداخل السلطة والمال أم الفساد.
3- فساد الامتيازات الخاصة للبعض. منحوا أرضاً وقرضاً، ليبنوا مجمعاً أو برجاً، ضمنوا إيجاره، ولا يجد بقية المواطنين الفرص نفسها، فهذا مفسد للمواطن، يجعله محبطاً، غير منتج.
4- فساد تهميش دور المواطن الإنتاجي والسياسي لصالح الاعتماد على غير المواطن.
5- فساد المال السياسي، لشراء أصوات انتخابية أو ولاءات سياسية.
6- فساد تمويل أقلام وألسنة، بهدف شراء الحمد والتمجيد الدعائي.
7- فساد التعيينات في المناصب القيادية، تبعاً للأصول العصبوية أو المذهبية.
8- فساد التشريعات التي تصنف المواطنين درجات، وقرارات وزارية تحرم المواطنين حقوقاً بالمخالفة للقانون.
9- فساد التدخل في شؤون القضاء، الحصن الأخير الحامي للمجتمع والدولة من طوفان الفساد، وأي تدخل في شؤونه، أو المس باستقلاله، أو تعويق يخل بكفاءة أدائه، يعد فساداً.
10- فساد التجارة في (الفيز)، واستقدام عمالة فائضة وجموع متسولة، شكلت عبئا مدمراً للخدمات والمرافق العامة، ومشوهاً للمظهر الحضاري.
11- فساد الاختلال السكاني الذي جعل المواطنين أقليات في أوطانهم.
12- فساد سياسة التوسع في مشاريع عمرانية لا جدوى اقتصادية لها: وطبقاً للدكتور مشاري النعيم، فإن فلسفة العمران الخليجي، لم تؤسس على أنها مورد استثماري، واستمرت دولنا توزع الموازنات على مشروعات توسع من حجم إنفاقها المستقبلي، بلا عوائد تغطي تكاليف تشغيلها.
13- فساد المثقف أو المستشار الذي يأتي وشعاره «اعرف شيخاً تصبح شيخاً»، كما فصله ببراعة الأستاذ عبدالعزيز الخاطر في مقاله «المثقف المستورد».
14- فساد مثقفين، إن أعطوا مجدوا ومدحوا، وإن حرموا هيجوا وقدحوا.
15- فساد نواب يستخدمون سيف الاستجوابات لتمرير معاملات غير قانونية.
خصائص الفساد الخليجي:
يتميز الفساد الخليجي عن غيره بأنه فساد كبير، يختلف عن الفساد الصغير المتعلق بالموظفين المرتشين لتخليص معاملة غير قانونية، وهو فساد بنيوي متغلغل في أجهزة الدولة والنسيج المجتمعي، فهو مقبول كثقافة اجتماعية، كما أنه محصن بتشريعات قانونية، وهذا يفسر بأنه يصعب رصده عبر تقارير مدركات الفساد العالمية التي تعتمد معايير رجال الأعمال الأجانب للبيئة الاستثمارية الخليجية، ولذلك نجد دول المجلس تحتل مراتب الدول الأقل فساداً، عربياً، والثلاثين دولة الأقل فساداً عالمياً.
أتصور أن في هذا النمط من الفساد الترفي المُهلك للمجتمعات، جاء التهديد القرآني «وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا».
كيف يتفق أن المجتمع الخليجي الأكثر تديناً، هو الأكثر فساداً؟! لأن «التدين الخليجي» لدى قطاع عريض تدين مظهري، يحرص على أداء الفروض الدينية بلا انعكاس حقيقي عملي على السلوك المجتمعي العام.
أخيراً: علينا تحجيم الفساد وحل الخلاف المستنزف للثروة الخليجية، وصيانتها من الهدر، فقد حذر صندوق النقد الدولي من تلاشيها بحلول 2034.