نصت المادة (5/6) من قانون القضاء الاداري لسنة 2014 على هذا المبدأ في قولها (تختص المحكمة الادارية بالنظر في جميع الطعون التي يقدمها اي متضرر لطلب الغاء اي نظام أو تعليمات أو قرار والمستندة إلى مخالفة النظام للقانون الصادر بمقتضاه أو مخالفة التعليمات للقانون أو للنظام الصادر بمقتضاه أو مخالفة القرار للقانون أو النظام أو التعليمات التي صدر بالاستناد اليها).
وهذا المبدأ ليس مبدأ قانونيا فحسب وانما هو مبدأ دستوري ايضا, لان القانون الذي يأتي على رأس ما تقدم ذكره من انظمة وتعليمات وقرارات ادارية يجب أن يكون منسجما مع الدستور شكلا وموضوعا تحت طائلة عدم دستوريته. فرأس الهرم في كل ما تقدم, هو الدستور الذي يعلو ولا يعلى عليه.
توضيحا لما تقدم ذكره, من أن اي اجراء تم اتخاذه أو يتم اتخاذه من قبل السلطات الادارية لتسيير المرافق العامة في الدولة, يتعين أن لا يخالف الإجراءات الاعلى منه درجة التي صدر بالاستناد اليها. فالقرار الاداري النهائي المتخذ يجب أن لا يخالف الإجراءات الاعلى منه درجة التي صدر بالاستناد اليها, فلا يجوز أن يخالف التعليمات أو النظام أو القانون المستند في صدوره إلى اي منها, ولا يجوز أن تخالف التعليمات النظام أو القانون كما ولا يجوز أن يخالف النظام القانون الصادر بالاستناد إليه.
والذي يجري عليه العمل في الواقع أن القرار يصدر بالاستناد بالتعليمات, وان التعليمات تصدر بالاستناد إلى النظام, وان النظام يصدر بالاستناد إلى القانون, وان القانون يصدر بالاستناد إلى الدستور, وفي الواقع من الأمر ايضا, أن الاجراء الادنى درجة, غالبا ما يتم اما بعد النص عليه صراحة من الاجراء الاعلى منه درجة أو عندما يتعين انه لا يمكن تنفيذ الاجراء الاعلى درجة الا إذا تم اتخاذ الاجراء الادنى منه درجة, فالنظام مثلا لا يصدر الا في احدى حالتين هما: - اما ينص القانون على نظام لتنفيذه أو أن لا يكون بالامكان تنفيذه بدون نظام.
على أن هذا لا يعني ولا يجب أن يعني أن الانظمة تصدر مستندة إلى القانون فقط, وانما قد تصدر مستندة إلى الدستور, لا فرق في ذلك بين الانظمة المستقلة المنصوص عليها في المادة (120) من الدستور في قولها ((التقسيمات الادارية في المملكة الأردنية الهاشمية وتشكيلات دوائر الحكومة ودرجاتها واسماؤها ومنهاج ادارتها وكيفيفة تعيين الموظفين وعزلهم والاشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصاتهم تعين بانظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك)). فهذه الانظمة إذاً تصدر استنادا إلى هذا النص الدستوري , كما قد تصدر الانظمة الغير مستقلة – التنفيذية- استنادا إلى نصوص دستورية محددة بالاضافة إلى صدورها عن القوانين , وليس ادلَّ على صدق ما نقول من قابليتها جميعها للطعن بعدم الدستورية تطبيقا للمادتين (59/1) و( 4/1) من الدستور وقانون المحكمة الدستورية على التوالي .
كما يجب أن لا يغيب عن البال ايضا -اشارة إلى ما سبق لي ذكره من صدور الانظمة سندا لقوانين - ما نصت عليه المادة (31) من الدستور في عدم جواز أن تخالف الانظمة القوانين التي تصدر بالاستناد اليها في قولها ( الملك يصدق على القوانين ويصدرها ويأمر بوضع الانظمة اللازمة لتنفيذها بشرط أن لا تتضمن ما يخالف احكامها ) . اي بشرط أن لا تخالف الانظمة القوانين الصادرة بالاستناد اليها .
وهكذا يلاحظ أن الانظمة التنفيذية تخضع للشرعية القانونية تطبيقا لنص المادة (5/6) من قانون القضاء الاداري , كما يجب أن تخضع للشرعية الدستورية بمقتضى المواد (59/1) و (31) و(4/1) من الدستور والقانون على التوالي .
اما الانظمة المستقلة المنصوص عليها في (المادة 120) من الدستور فلا تخضع الا للشرعية الدستورية , لان ما يُنّصُ على احكامه في الدستور فقط من كيانات أو مؤسسات لا يمكن أن تخضع احكامه للقانون بدون تفويض من الدستور .
ويجب أن يراعى في الإجراءات الادنى درجة الشروط الشكلية التي تتطلبها في اصدارها الإجراءات الاعلى منها درجة , كما يجب أن لا تضيف أو تعدل أو تعطل الإجراءات الادنى درجة شيئا من هذا القبيل إلى الإجراءات الاعلى منها درجة تحت طائلة بطلانها لان الهدف من الإجراءات الادنى درجة , هو تنفيذ الإجراءات الاعلى منها درجة ليس الا .
وبناء ً على ما تقدم , فان المشرع لدينا قد منح الخيار لصاحب المصلحة أو المتضرر بان يسلك احد سبيلين للحفاظ أو الدفاع عن حقوقه أو مصالحه , فاما أن يسلك في حال الطعن بالانظمة التنفيذية سبيل الشرعية القانونية بان يطعن بطلب الغاء هذه الانظمة أمام المحكمة الادارية تطبيقا لنص المادة (5/6) من قانون القضاء الاداري , واما أن يسلك سبيل الشرعية الدستورية بان يطعن بعدم دستوريتها أمام المحكمة الدستورية , اما سبيل الطعن بالانظمة المستقلة المنصوص عليها في (المادة 120 ) من الدستور فيكون أمام المحكمة الدستورية لا أمام المحكمة الادارية لان النصّ عليها قد ورد حصرا في الدستور .
ويجب أن لا يغيب عن البال اخيرا ً أن القانون قد حدد شكل الحكم الواجب صدوره عن الطعن أو الدفع بعدم دستورية القوانين والانظمة أو الطعن بعدم قانونية الانظمة .
فاذا كان قانون المحكمة الدستورية قد حدد في الفقرتين ( ب )و( ج ) من المادة (15) شكل الحكم الواجب صدوره عن المحكمة الدستورية في حال قبولها للطعن أو الدفع بعدم الدستورية , فان المادة (5/6) من قانون القضاء الاداري قد اوجبت على المحكمة الادارية في حال قبولها للطعن الذي يقدمه المتضرر في النظام أو التعليمات أو القرار أن يكون قرارها بالغاء ما تم الطعن به من نظام أو تعليمات أو قرار .
واذا كان المشرع قد اجاز للمحكمة الدستورية أن تصدر حكمها ويكون نافذا باثر مباشر ما لم يحدد الحكم تاريخا أخر لنفاذه , إذ قد يكون هذا التاريخ لاحقا أو سابقا لصدور الحكم , فان المشرع بمقتضى المادة (5/6) من قانون القضاء الاداري قد اوجب أن يكون الحكم مقتضيا الغاء الاجراء من نظام أو تعليمات أو قرارات ادارية نهائية, فالمحكمة الادارية مقيدة في إصدار حكمها بالالغاء حصرا لا باي صيغة اخرى .
والالغاء يعني وفقا للتفسير اللغوي للنص , هو القضاء أو اعدام الوجود المادي للنص الملغى منذ صدوره , فهناك فرق في المعنى بين الغاء النظام أو التعليمات أو القرار , وبين الغاء العمل به , فالمشرع اوجب الغاءه لا الغاء العمل به الذي قد يكون باثر مباشر ما لم ينص على تاريخ آخر لنفاذه .
ويختلف الأمر بالنسبة لسريان مفعول حكم المحكمة الدستورية المتمثل بقضائها بعدم الدستورية اما باثر مباشر أو من تاريخ آخر سابق أو لاحق لنفاذه .
والسؤال الذي قد يثور ما إذا كان يستحق المتضرر أو صاحب المصلحة التعويض إذا ما ثبت تعرضه للضرر بعد أن تم الغاء الاجراء الذي حلّ به ,
لقد اجابت المادة (5/ب) من قانون القضاء الاداري على هذا السؤال على النحو التالي (( تختص المحكمة الادارية بالنظر في طلبات التعويض عن الاضرار اللاحقة نتيجة القرارات والاجراءات المنصوص عليها في الفقرة (أ) إذا رفعت اليها تبعا لدعوى الالغاء )) .
ولا يختلف الأمر في نظرنا بالنسبة لما لحق بصاحب المصلحة من ضرر إذا كان الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية بعدم الدستورية بمفعول رجعي , لانه من غير المتصور أن يحكم للمتضرر بموجب قانون القضاء الاداري ولا يُحكم للمتضرر بموجب الدستور أو قانون المحكمة الدستورية , فالحقوق المكتسبة هي حقوق دستورية وفقا لما نصت عليه (المادة 94 من الدستور ) . ولا يرد على هذا القول بان النص على الحقوق الدستورية قد ورد في مقام القوانين المؤقتة , لانه وفقا لما هو مسلم به قانونا وفقها واجتهادا , بأنه متى ما نص الدستور على حكم معين في مقام معين , فان هذا الحكم ينبسط على سائر المقامات الاخرى , مع ضرورة مراعاة أن المحكمة الدستورية ليست مختصة بالحكم بالتعويض , فهذا الاختصاص يعود للمحاكم النظامية .
الأستاذ الدكتور كامل السعيد
أول من حاز على جائزة الدولة التقديرية في العلوم القانونية
أول من حصل على رتبة الأستاذية في القانون الجزائي في المملكة
عميد كلية الحقوق في الجامعة الأردنية وعمان الأهلية سابقا
عضو محكمة التمييز سابقاً
وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء والتشريعات سابقا
عضو المحكمة الدستورية سابقاً