الانتخابات النيابية والانتصار للاستحقاق الدستوري
فيصل تايه
02-03-2020 10:04 AM
حسم جلالة الملك موعد الاستحقاق الدستوري القادم بالانتصار لمتطلبات المرحلة والارادة الشعبية في التغيير، لتُحدد الانتخابات البرلمانية القادمة ملامح المجلس النيابي التاسع عشر ومستقبل الحياة البرلمانية لأربع سنوات قادمة، ضمن قواعد دستورية تتوسد بشكل ديمقراطي نأملها جميعاً، وبذلك نتوقع أن منطق الناخب الأردني سيتسم بثقافة الوعي والحس بالمسؤولية، فذلك جزء من العملية الديمقراطية الحقة.
إن من الصعب التكهن من سيكون رئيسا مقبلا للوزراء، والذي سيتولى قيادة المرحلة المقبلة والتي بالتاكيد سترافقها تحديات كبيرة وهي مرحلة حساسة تحتاج من الحنكة والخبرة والممارسة الشيء اليسير، مما يجعل المهمة ليست سهلة على الإطلاق، في ظل تجاذبات اقليمية ودولية تتربص بالمنطقة ومحاولة السيطرة عليها، وتمرير مخططاتها، لذلك فالتوجيه الملكي يضعنا أمام مسؤولياتنا الوطنية بالسعي لتقديم كافة متطلبات نجاح العملية الانتخابية باستخدام كافة الوسائل المتاحة، بدءاً بحملات التوعية والتثقيف والإرشاد الانتخابي ووصولاً إلى عقل ووجدان المواطنين، مع ضرورة تحفيز الجميع وخصوصا الشباب للمشاركة في العملية السياسية، لذلك فإن إجراء العملية الانتخابية تتطلب معالجة بعض القضايا الاجرائية الفنية، كتوحيد بعض العمليات الفنية للانتخابات، والتي سبق لـ"الهيئة المستقلة للانتخاب" رفعها إلى الحكومة.
ما يتوقعه المراقبون ان تكون الشخصيات المنتخبة تمثل العشائرية والدينية والعلمانية الليبرالية، حيث سيكون لها تاثيرا كبيرا في المرحلة المقبلة او على الاقل تمثلها بصبغة بعيدة عن الصبغات التي سادت ساسيولوجيا البرلمانات السابقة، فطبيعة المرحلة تتطلب ان تفرز الانتخابات المقبلة نواب وطن على قدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية، مع ضرورة الابتعاد عن التخندقات العشائرية والكوتات النفعية والسعي نحو الائتلاف الموحد للاردن ومصلحة الاردن اولاً، لذلك فمن واجب الجميع المشاركة، وليس من المهم التذرع بقياس وتقييم أداء للمجالس السابقة، ولكن يجب علينا أن ننتخب الذين نعتقد أنهم سيأخذون خطوة إلى الامام، بعيدا عن الأفكار الضيقة، بحيث ألا نخطئ الخطأ الأكبر ولا ندلي بأصواتنا ونهمش هذه العملية التي أصبحنا من القلائل في المنطقة الذين يتمكنون من الإدلاء بصوتهم بشفافية ونزاهة وبكل همة ومسؤولية.
تتطلب هذه المرحلة بالفعل تجنب التذمر من الاقبال على الانتخابات، واتهام المجالس السابقة بالتقصير، إذا ما قصرنا نحن في عملية الاقتراع للشخص الصحيح او عزفنا اصلا عن المشاركة، فالاختيار يجب ان يتم بناء على برنامج انتخابي موثوق وسليم بعيداً عن عواطف الفئوية او الجهوية، فمستقبل الوطن والأجيال على المحك، ما يحتاج نواباً بإمكانهم أن يضيفوا إضافات نوعية مواقفهم تجاه مستقبل الوطن، ويقدموا الكثير لنا وللأجيال من بعدنا، لذلك فقد يكون هذا المجلس من أهم المجالس النيابية في تاريخ الاردن بسبب المتغيرات والتحديات المحلية والإقليمية والدولية، وفي نفس الوقت قد يكون مجلس الهروب من المحك، لذلك أتمنى أن يدرك مواطننا الاردني الواعي أن انتخاب النائب الوطني الحر هو عنصر مهم في المعادلة وينبغي التصويت له، وعدم إعطاء صوتنا لمن لا يستحق.
المطلوب ونحن نحضر لخوض الانتخابات النيابية القادمة تجاوز مجمل التحديات الكبيرة التي ينبغي على المرشحين تجاوزها والمتمثلة بالتخلص من التمترس خلف الأفكار التهويلية والطروحات العقيمة التي تؤثر سلباً على الحياة السياسية والاجتماعية وتنتج التناقض والضعف في الاداء، ولا يمكن ذلك إلا بصدق النوايا وتحقيق رغبات المواطنين وزرع الثقه في نفوسهم، واعتماد الاعتدال والوسطية والقبول بالآخر كنهج وطني مقدس، وعدم الإساءة باي حال للآخر أو القول بما ليس فيه بهدف التحريض ضده والتخفي وراء الادعاءات وكسب التاييد غير المشروع بالطرق الكاسدة، وهذا الاتجاه يحتاج بالفعل إلى صدق النية والالتزام والشفافية والكف عن الإثارة النارية التي تسبب تأزيم الحياة وتشتيت فكر المواطن وتفكيك بنى المجتمع الأردني الواحد.
لقد مررنا بالعديد من التجاذبات ابان الدورة النيابية الحالية، وان اختلف فيها البعض إلا أن الاختلاف حالة صحية مشروعة في نظام ديمقراطي عصري نعيشه، ولتأخذ كافة الكتل حقها في خضم التحديات المتسارعة، وتكف عن التأزيم والعبث وتعمل بإخلاص من أجل الوصول إلى مجلس نيابي جديد يتحمل مسؤولياته بالكسب المشروع للوصول للمشاركة، ولذلك يجب الاستفادة من الوقت لمد جسور التواصل مع الجميع من أجل زرع الثقة وإزالة مخلفات الفترة النيابية المنصرمة وارهاصاتها التي لم تسمن ولم تغني من جوع، ولنعمل بعيدا عن المماحكة العبثية التي استنفذت افكارنا وأهلكت عقولنا.
يجب ان نبتعد عن لغة المكابرة والغرور لان مصلحة الوطن أعلى من كل الاعتبارات وان المطلوب اليوم هو بالفعل الاتجاه نحو القواعد الشعبية في كافة مناطق الوطن، بعيدا عن المال الاسود، ومكاشفة المواطنين الذين هم مصدر السلطة وأصاحب المصلحة الحقيقية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، والسعي للتخاطب معهم بعين العقل وروح الحكمة وبلغة صريحه تلمساُ لحاجاتهم والوقوف عند مطالبهم والاستمرار في هذا النهج ، باعتبار ذلك علامة تبعث تفاؤلهم وتدفع نحو الاستبشار بحياه كريمة فضلى ومستقبل واعد لهم ولابنائهم .
واخيرا فان الانتخابات القادمة تفتح الباب أمام أبناء الوطن جميعاً من مختلف المنابت والأصول والمشارب لتتشابك الأيدي من أجل الأردن ومن اجل المساهمة في تحديث الدولة الأردنية ، فنحن بحاجة الى المعالجات الحاسمة لمختلف القضايا المتعلقة بمستقبل الأجيال والشعور بأمانة المسؤولية بالمشاركة الفاعلة من خلال ما تفرزه صناديق الاقتراع في الاختيار الحر الذي يحقق القبول المطلوب للجميع ، لتحقيق الآمال والتطلعات بحرية ونزاهه ..
ونحن واياكم لمنتظرون..
والله ولي التوفيق