فايروس كورونا والافيون والحرب الهجين
العميد المتقاعد عارف الزبن
01-03-2020 11:09 PM
تعتبر الحرب الهجين هو النمط الجديد من الحروب والتي تستهدف دمار الدول ،اجتماعيا ، وفكريا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا، وهي خليط ما بين الحرب التقليدية والحرب الغير تقليدية ،وهذا النوع من الحروب ليست بالفن الجديد من فنون الحروب، وليست منتج جديد كما هو التهجين ، بل هي قديمة ولكن المحللين السياسيين و الخبراء العسكريين من باب التحديث والفلسفة الادبية ، دائما ما يؤمنون بالخروج بمصطلحات جديده ،فاطلقوا عليها الحرب الهجين Hybrid Warfare لتواكب تكنولوجيا الهايبرد ، فهي وان تشابهت أو اختلفت فقد تختلف من حيث الأسلوب والوسائل والأدوات ولكنها تتشابه من حيث الهدف والغاية في تدمير الدولة لكي تعود الى الوراء لتنهض من جديد.
ونحن نعيش في هذه الأيام شبح كورونا، والذي اعتبره نوع جديد من فنون الحروب القديمة، ولكي نعرف قذارة هذا النوع من الحروب، لابد ان نعود في التاريخ الى قرون من الزمن استخدمت فيها أساليب تشابه ما نعيش في هذه الأيام. خلال خدمتي كقائد للقوة الاردنية في افغانستان في عام ٢٠١٠ كانت منطقة مسؤوليتنا الأمنية تمتد من كابول الى الجنوب من ولاية لوغار، التي تتداخل بولاية ورداك، في تلك الفترة تشرفت بالتعرف على عدد كبير من السكان المحليين وشيوخ القبائل الأفغانية، كنت أحب الجلوس مع الكبار والصغار، لكي اعرف التاريخ من الكبار والحاضر من الصغار، ودائما ما كان يقلقني امنيا على جنودي ليس تهديد طالبان بل خطر المخدرات، في يوم من الايام دار حديث بين وبين رجل مسن، فسألته من خلال مترجمي الذي كان يرافقني، ما هي قصتكم مع الكوكائين والهيروين والحشيش؟؟ فقال " يا ابني لقد جاءنا هذا المرض (المخدرات) من الصين والهند منذ نهاية القرن السابع عشر، عندما كان المستعمرين يأتون عبر طريق الحرير القديم مرورًا في بلادنا وينشرون هذا المرض". وكما هي الصين موجودة في كل دولة وفي كل منزل، فلقد وجدتهم أيضا في أفغانستان خلال الحرب، والتي تشترك مع الصين بما يقرب ١٠٠ كم من الحدود الشمالية الشرقية، عبر ممر واخان وإقليم سنجان (شينغيانغ) الصيني، نعم على الرغم من انشغالنا بالملف الأمني الا ان الصينيون كانوا منشغلين على مدار ٢٤ ساعة في استخراج النحاس من منجم ايناك، الذي كان يقع في حدود منطقة مسؤوليتي، ويعتبر ثاني أكبر منجم نحاس في العالم، وبأيدي عامله تقدر ب ١٥٠٠ عامل صيني. نعم من قال ان التاريخ يعيد نفسه فلقد صدق.
بقي موضوع الهيروين والكوكايين والحشيش، الذي تحدث لي ذاك المسن عنه يدور في عقلي ، الى ان قرات عن حرب الافيون الاولى والثانية ، تلك الحروب التي كانت من أسبابها ان ملك بريطانيا جورج الثالث ، كانت بلادة تستورد كل شيء من الصين مقابل الفضة، فطلب الملك من الامبراطور الصيني شيان لونغ بفتح وتحرير التجارة بين البلدين ( اي ان تكون تبادلية) فكان جواب امبراطور الصين " ان امبراطورية الصين السماوية لديها ما تحتاج له ، وليست بحاجة لاستيراد السلع سنويا" عندها غضب جورج الثالث الذي كانت بلاده تشتري الفضة بالذهب لتستورد من الصين بالفضة . ومع بداية الثورة الصناعية في أوروبا كانت إنجلترا في ذلك الوقت بأمس الحاجة للتبادل التجاري فقررت بريطانيا غزو الصين من خلال استغلال ما كان يعرف بالشركة الهندية الشرقية لشن الحرب الهجينية على الصين ،وذلك بإدخال الافيون للصين عبر التجار ، ، وبعد ان انتشرت المخدرات في المجتمع الصيني وزاد الطلب عليها ، وفتحت تلك التجارة القذرة اصبح الصينيون يشترون الافيون من التجار بالفضة التي كنت تعود الى إنجلترا.
لم تحتمل إمبراطورية الصينية تلك الحرب القذرة، فامر الإمبراطور بحرق أماكن تواجد وزراعة الافيون واغلاق دخوله الأسواق ووضعت العقوبات على كل من يتعاطه، فغضبت بريطانيا من الإصلاح المجتمعي الذي حدث، فقامت بافتعال ما عرف حرب الافيون الأولى عام ١٨٣٩، من خلال إرسال سفنها الحربية لحصار الصين، والقيام بالأنزال على السواحل الصينية، قاومت الصين لمدة عامين الى ان خسرت ،واجبر الإمبراطور على توقيع اتفاقية التجارة، وفي عام ١٨٥٦ تمرد الشعب الصيني على تلك الاتفاقية ، بعد قيام ( الشعب) بمقاطعة الاستيراد للمنتجات البريطانية، فلجات بريطانيا الى فرنسا عدوها القديم بتجديد حرب الافيون الثانية، التي اشتعلت شرارتها الأولى عند اقتراب أحد السفن البريطانية للسواحل فقامت السلطات الصينية بتفتيش السفينة وانزال العلم البريطاني، ومما زاد الأمور سوءا ان أحد المبشرين الفرنسين كان قد قتل، فتعاون الأوروبيين جميعا على احتلال الصين في حرب الافيون الثانية والتي استمرت من عام ١٨٥٦ ولغاية ١٨٦٠.
بعد ان خسرت الصين حرب الافيون الثانية قامت بتوقيع الاتفاقية بحسب الشروط البريطانية والفرنسية، والتي اشترطت عليهم بفتح السفارات والتدخل في التعليم والدين بدخول الصين لتفكيك المجتمع الصيني المتماسك ، لم يتحمل الصينيون تلك الظروف فقامت ثورة الملاكمين في عام ١٩٠٠ لمقاومة دول الاحتلال ، فاتهمت بريطانيا الصين بالتمرد عليهم ، وفي نهاية تلك الثورة قتل الكثير من الابرياء ، عندها جاءت (بريطانيا وأمريكيا ، وروسيا ، واليابان ،وإيطاليا وألمانيا ، وفرنسا ) لأخلاء رعاياها من الصين ولإخماد ثورة الملاكمين ، التي طالبت بإسقاط عائلة شينغ تلك العائلة التي حكمت الصين اكثر من ألفين عام ، فقامت الإمبراطورة سي تشي بالوقوف معً الثورة للمحافظة على عرشها والمحافظة على علاقتها مع دول الاحتلال الا ان تلك الدول نجحت بالقضاء على ثورة الملاكمين التي قتل فيها ٣٥ الف مسيحي ،١٠٠ الف من الثوار و ٢٠٠ الف من القوات الأجنبية الغازية، عندها اجبرت الصين بدفع تعويضات الحرب التي قدرت ب ٣٣٠ مليون دولار أمريكي في عام ١٩١١.
وفي عام ١٩١٢ اسقطت حكم الإمبراطورية الصينية وتم اجراء الانتخابات وعين أول رئيس منتخب مؤقت للبلاد وفي عام ١٩٢١ تم تأسيس الحزب الشيوعي، وقاد تلك الأحزاب ماو تسي تونغ الى ان احتلت اليابان أجزاء من الصين في عام ١٩٣١ ولم تنسحب منها الا بعد اسقاط قنبلتي هيروشيما ونقازاكي بتاريخ ٦ و ٩ أغسطس عام ١٩٤٥ ابان الحرب العالمية الثانية ، وفي عام ١٩٤٥ دخلت الصين في الأمم المتحدة وأصبح ماو سي تونغ رئيس للصين الذي نقلها وطورها في كافة مجالات الحياة ،واسس في عام ١٩٦٦ الكتاب الأحمر ، والذي مات في عهدة ٧٠ مليون مواطن صيني ،وفي عام ١٩٧٢ حدثت مناوشات بين أمريكيا والصين وفي عام ١٩٨٩ تردت الأوضاع الاقتصادية في الصين وحصلت ثورة الطلاب والتي انضم اليها العمال، الا ان هناك اصلاحيات كثيرة حدثت في الصين بحيث انها أصبحت الصين بما هي علية الان.
ام اليوم فلا اعتقد ان فايروس كورونا ليس الا نوع جديد من الحرب الهجينة warfare Hybrid ضد الصين والتي استبدلت فيها بريطانيا بأمريكيا كلاعب رئيسي ، فكلنا يذكر انه في ٢٢ مارس ٢٠١٨ بدأت الحرب التجارية بين الصين وامريكيا، وذلك بعد فرض الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية، فردت الصين على أكثر من ١٢٨ منتج امريكي، بما في ذلك الألومنيوم علي الرغم من نفي الرئيس ترامب أن يكون الخلاف مع الصين عبارة عن حرب تجارية حيث صرَّح على تويتر في نيسان/أبريل من عام 2018 قائلا: "لقد خسرنا الحرب منذ سنوات عديدة بسبب السفهاء والناس غير الكفوئين الذين يمثلون الولايات المتحدة ... لدينا عجز تجاري يبلغ 500 مليار دولار في السنة مع عجز آخر يبلغ 300 مليار دولار بسبب سرقة الملكية الفكرية، لا يمكننا السماح لهذا بالاستمرار"
في ١٥ مايو ٢٠١٩ اصدر دونالد ترامب قانون الطوارئ الاقتصادي الدولي (IEEPA) وحذر من التعامل الحكومي مع شركة هواوي (التي هي اكبر مورد لمعدات الاتصالات بالعالم، وثاني اكبر شركة للهواتف الذكية وهي من ابرز مطوري تجهيزات الجيل الخامس 5G ( ووصف العمل معها بانه خطر امنيا" حتى انه وضعها على القائمة السوداء للشركات التجارية في أمريكيا . وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، تم القاء القبض على المديرة المالية لشركة "هواوي" منغ وانزو في كندا، بناء على طلب من الولايات المتحدة بتهمة انتهاك العقوبات المفروضة على إيران. الا ان الامر لم يقف عن هواوي بل طال شركة أبل Apple عندما دعا ترامب مجموعة أبل العملاقة الى انفاق مبالغ طائلة في الولايات المتحدة، والتي يتم تجميع معظم منتجاتها في الصين.، في منتصف سبتمبر ٢٠١٩ حظرت أمريكيا من بيع السجائر الالكترونية ذات النكهات في كافة متاجرها بسبب انتشار حالات وفاة بين المواطنين وهو ليس بأكثر من حماية لشركة فيليب مورس الصانعة لسجائر التبغ العادية مارلبورو.
فالحرب الهجينة هي حرب لا تعرف ادبيات الحروب، وفيروس كورونا لا يعرف ادبيات الصحة وحدود الدول، فبعد ان يدمر الاقتصاد الصيني بالكامل ودول كثيرة في العالم، فأننا سنرى اللقاح والعلاج سياتي من الدول الغربية قريبا.