المدرك لاليات عمل البنوك وتركيبة موجوداتها ومطلوباتها وما تنطوي عليها تلك التركيبة من تفاوتات هيكلية ومخاطر اصيلة، يعلم ان تثبيت الفوائد على القروض سوف يلحق الضرر بالمقترضين، وان اثاره السلبية سوف تطال المودعين ايضا، فضلا عن تأثيره على الدورة الاقتصادية والسياسة النقدية بشكل عام.
ففي المبدأ، تقوم البنوك بتحويل الودائع قصيرة الاجل الى قروض طويلة الاجل. هذا التفاوت في الاجال بين القروض والودائع ينتج عنه العديد من المخاطر المالية، وفي المقدمة منها تأتي مخاطر اسعار الفوائد.
ادارة هذه المخاطر يستدعي توافر الاليات التي تسمح للبنوك بأن تعيد تسعير قروضها بشكل دوري وبما ينسجم مع اجال ودائعها. بخلاف ذلك تمسي البنوك عرضة لدرجة مرتفعة من المخاطر لا يمكن لها قبولها والتعايش معها الا عن طريق توسيع هامش الفائدة بين القروض والودائع وذلك تحسبا لاي ارتفاعات غير متوقعة في اسعار الفوائد.
بمعنى ان تضييق الخناق على البنوك ومنعها من رفع سعر الفائدة على القروض بعد منحها سوف يجبرها على رفعها عند منحها ولكن بنسبة اكبر تضمن للبنك حدا ادنى من الربحية على امتداد عمر القروض، فضلا عن انه سوف يؤدي الى احجام البنوك عن منح القروض الابعد اجلا مثل قروض الاسكان وقروض تمويل المشاريع الرأسمالية، وكلا النوعين ضروري جدا لتحريك عجلة الاقتصاد.
ايضا يمكن ان تلجأ البنوك الى عدم رفع اسعار الفوائد على ودائعها في حال رفعها من قبل البنك المركزي وذلك لكي تحصن هوامشها الربحية من تقلبات اسعار الفوائد. الامر الذي من شأنه ان يلحق الضرر باصحاب الودائع.
كما ان عدم استجابة البنوك لرفعات البنك المركزي يضعف من فعالية السياسة النقدية، اذ ان البنك المركزي يقوم بتمرير اغلب سياساته النقدية الى الاقتصاد عبر بوابة البنوك، فاذا لم تستجب البنوك لهذه السياسات تصبح عديمة الفعالية ويصبح تأثيرها على الاقتصاد محدودا جدا.
حماية مصالح المقترضين وحقوقهم ضرورة قصوى. ولم يكن الهدف من تعليمات الشفافية التي اصدرها البنك المركزي في العام ٢٠١٢ الا حماية الًمقترضين عن طريق تبسيط العقود وتوضيح شروطها وتبيان سعر الفائد بمكونيه الثابت والمتغير وضمان ان يفهم العميل حقوقه وواجباته جيدا.
حماية المقترضين يكون ايضا من خلال تعزيز المنافسة المتكافئة بين البنوك والحد من الممارسات الاحتكارية، وهو الدور الذي يمارسه البنك المركزي بفعالية كبيرة، والذي دعاه مؤخرا الى تقنين ظاهرة الجوائز التي اجتاحت السوق المصرفي وأخلت بكفاءته وبعدالة المنافسة بين لاعبيه.
اما منع البنوك من رفع الفوائد، فيمثل تعديا على ميكانزمات السوق وتعطيلا لادوات البنوك في التعامل مع موجوداتها وعودة بالنظام المالي والمصرفي ١٠٠ سنة الى الوراء، وهو خيار لا رابح منه.