أسرار قانون انتخاب مجلس النواب الأردني
د. حسين البناء
29-02-2020 11:48 PM
تتمثل حساسية (قانون الانتخاب لمجلس النواب الأردني لسنة 2015) في أن هذا التشريع تمكن من إعادة تفكيك و بناء الهيكل الوطني العام لقوى للأحزاب و العشائر في آن واحد. فلم تكن خلفيات إيجاد هذا القانون سوى تراكمات معقدة من نوايا مستقرة في عقل الدولة لإعادة تأطير خريطة القوى الداخلية، تحديدًا الأحزاب والعشائر.
بعد الأزمة الاقتصادية عام 1989 تم وقف الأحكام العرفية و انتخاب مجلس نواب جديد، كانت تجربة غنية استطاعت إبراز شخصيات وطنية و حزبية شكّلت نموذجًا مثيرًا للاهتمام، و تحصّل آنذاك الإسلاميون و القوميون و الوطنيون على ما يقارب الخمسين مقعدًا في المجلس، و برغم عدم تشكيلهم لأغلبية مُعَطِّلة أو حاسمة إلا أن المشهد كشف رغبة شعبية متعاظمة في إعادة بناء الثقة في العمل الحزبي الجاد، الأمر الذي أثار تخوفات من مراكز قوى تقليدية و محافظة و مؤثرة.
المجتمع الأردني، كمعظم الشعوب العربية، ذو طابع قَبَلي، لا زالت العشيرة فيه اللاعب الأبرز في مجريات بعض القضايا كالانتخابات؛ فالمشيخة العشائرية قد تتخذ شكلًا مُستَحدَثًا مثل النيابة البرلمانية. في ذات الوقت فإن الحضور الحزبي قادر على صهر مفهوم العشيرة و العمل الحزبي معًا، حيث تتسق رغبة الزعامة و الظهور العام في الشخص (الحزبي العشائري) كحالة مدمجة. هذا الخليط هو ما يستهدفه قانون الانتخاب ذو الصوت الواحد.
على المدى القريب:
بمجرد إقرار قانون الانتخاب بدأت آثاره تظهر جليًا؛ فالصوت الوحيد للناخب ذهب للمرشح العشائري دون غيره، وذلك بناءً على أولوية (الأقربون أولى بالمعروف) الأمر الذي أفقد التيارات الحزبية الحضور المتوقع، و امتلأ البرلمان بالشخصيات الاجتماعية التقليدية و رجال الأعمال على حساب الحضور الحزبي. بهذا تم تقزيم العمل الحزبي في الحدود الأدنى.
على المدى المتوسط:
بعد أن تم إفراغ البرلمان من الحضور الحزبي لصالح القوى الاجتماعية التقليدية، فقد وجد رجال الأعمال الفرصة مواتية للاستثمار في حاجة الناس و فقرهم؛ فقد تم ممارسة ظاهرة (شراء الأصوات) تحت وطأة الوضع الاقتصادي المتراجع، كذلك تم استغلال فرصة (القائمة الوطنية النسبية المفتوحة) لترشيح أعضاء وهميين بغية تحصيل أصوات ناخبي المحافظات لرئيس القائمة وإنجاحه، و تم أيضا استغلال ثغرة (الدوائر الوهمية) لطرح مرشحين و هميين بغية التخريب على بعض المرشحين في دائرة ما مستهدفة في نفس المحافظة. بهذا تمت الصفقة الرابحة لرجال الأعمال.
على المدى البعيد:
بعد ما تم من إقصاء للحضور الحزبي و استبداله برجال الأعمال و القوى الاجتماعية التقليدية، فقد كان أن بدأت الصراعات الداخلية تظهر في كل عشيرة حول انتهاء فرصة المرشح القديم و أحقية آخرين جدد في دورهم بالترشح، و يدعم ذلك صراعات زعامة قديمة، و رغبة في الظهور العام، و نكايات عائلية تقليدية. في البداية استطاعت انتخابات العشيرة الداخلية حل الأزمة و إجبار الجميع على قبول المرشح الأقوى داخليًا كما تُظهر الصناديق ذلك، لكنه وفي دورات لاحقة بدأ التملص من تعهدات الإجماع العشائري، و صار هنالك عدة مرشحين في ذات الفخذ من القبيلة في آن واحد، الأمر الذي تطور لصراعات عميقة و دموية أحيانًا، مما سبب لاحقًا تشظي القبيلة على أسس انتخابية و تجزأتها لعدة كتل متناحرة في كل دورة انتخابية. بهذا تم إضعاف التماسك القبلي و قوته الاجتماعية و السياسية.
خلاصة القول، أن استمرار العمل بقانون الصوت الواحد في انتخاب أعضاء مجلس النواب سيكون كارثيًا؛ حيث سيتم تعزيز حالة الجمود السياسي الحزبي و التشظي العشائري و هيمنة رجال الأعمال.
لقد ثبتت مع التجارب والزمن علاقة ارتباطية قوية ما بين حجم الدائرة الانتخابية و نوعية إفرازاتها؛ فكلما ضاقت الدائرة الانتخابية لمستوى مدينة أو قرى كان الناتج قدرة أكبر على التلاعب والتزوير بالعملية الانتخابية، وكانت ممارسات شراء الأصوات أوضح، و كانت الأصوات تفرز حينها وجاهات محلية خارج إطار الشخصيات الوطنية و الثقافية والسياسية التقدمية.
الحل الحقيقي يتجلى بثلاثية لتشكيل البرلمان: الثلث الأول للقائمة الوطنية الفردية المفتوحة، الثلث الثاني للقائمة الحزبية النسبية، الثلث الأخير لدائرة المحافظة و بكامل سكانها كدائرة واحدة، بغير ذلك فإن نهج تفكيك ما تبقى من أطر الدولة العصرية و الديمقراطية هو آخذ في التفاقم، و المقاطعة التي وصلت حد ٧٠% في آخر مرة هي مرشحة للنمو.