الدعوات التي تنطلق لاحياء السنة النبوية المشرفة، واعادة قراءتها من جديد، والاستفادة من مضامينها للرد على تحديات العصر، تبدو مشروعة وملحة، فالمسلمون اليوم يتنازعهم تياران: احدهما يدعو الى اعتماد القرآن الكريم فقط كمصدر للتشريع، وعدم الاعتداد بغيره، والمقصود هنا ازاحة السنة من الطريق، وهؤلاء - بالطبع - لم يقدروا على مواجهة المسلمين بالدعوة الى الخروج عن القرآن، فتحايلوا لابعاد السنة وقطع العلاقة بينها وبين القرآن الكريم، اما التيار الثاني فقد تعسف كثيرا في فهم السنة، وابتعد كثيرا عن حقائقها مكتفيا باحالتنا الى الماضي ونموذجه، والتمركز خلف حرفية بعض ما ورد فيها بغض النظر عن صحته او ضعفه، وهؤلاء تحولوا الى حركات وجماعات، تتقاتل باسم السنة، وتحلل دماء غيرها باسم «التمسك» بالاسلام.
اعادة قراءة السنة النبوية، وتخليصها مما اعتراها من تشويهات، والاستفادة منها في مجالات بناء القواعد الفقهية والشخصية الاسلامية والعلاقات الانسانية وتشكيل عقل الامة، صار مطلوبا.. ولكن قبل ذلك لا بد من ازالة كثير من الالتباسات التي تطرح على مهاد الموضوع: اولاها منزلة السنة بالنسبة للقرآن الكريم وحجيتها، وثانيهما معايير وضوابط الحكم على بعض ما ورد في السنة، لا من جهة الاحاديث النبوية فقط، وانما مجمل السيرة النبوية، وثالثهما تمييز التشريع عن غيره فيما ورد في هذه السنة، او الفصل في اقسام السنة بين ما هو داخل في حكم الامامة او القضاء او التبليغ.. وغيرها.
اما منزلة السنة من القرآن فقد آشار د. البوطي مثلا الى ان مصادر الشريعة الاسلامية ليست في حقيقتها الا فروعا لاصل رئيسي واحد وهو القرآن، والقرآن - هنا - هو الذي يعطي الفروع حجيتها، فالتفاوت اذن اعتباري مجرد، بمعنى انه لا ينافيه ان تكون السنة قاضية من حيث البيان على كثير من نصوص القرآن، لان هذا هو قرار القرآن نفسه، قال عز وجل «وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم».
اما معايير الحكم على السنة فقد سبق لعلمائنا ان اثبتوها حتى انه لم يتوفر لعلم ما توفر للسيرة والسنة المشرفة من ضبط ودقة وعناية، اما تميز التشريع من غيره، فالسنة تنقسم الى اقوال وافعال واقرار، ولا لبس بأن الاقوال تشريع، اما الاخبار فلا، ويبقى الافعال والاقرار، وهنا فإن الافعال المتعلقة بآخرين تحمل دلالات تشريعية يستفاد منها الوجوب او الندب او الاباحة باستثناء ما يدخل تحت سلطان الهواجس النفسية او الجبلة البشرية او اخرى خاصة به عليه السلام.
المسألة - بالطبع - تحتاج الى شرح طويل، ولكن اعادة احياء السنة وتقديمها لاجيالنا بصورتها اللائقة وبمشروعها الانساني والاخلاقي اصبحت ضرورية في عصرنا هذا الذي يبحث فيه الناس عن نماذج حية يقتدون بها.
الدستور