تعريب قيادة الجيش: الذكرى والاستحضار
محمد يونس العبادي
27-02-2020 11:58 PM
ما تزال ذكرى طرد كلوب في الأول من أذار من كل عامٍ في وجدان الأردنيين، فهو قرار استكمل آخر مراحل الاستقلال الأردني، ووجه الضربة القوية لنظام المستعمرات الذي كان سائداً في المشرق العربي.
واليوم، ونحن نتأمل هذا القرار الذي بقي الأردنيون وما زالون يحتلفون بذكراه تعبيراً عن مرحلة من مراحل الاعتزاز، حيث سعى الأردن باذلاً في سبيل الكرامة أنّ يتحرر من رقبة الاستعمار ويستغني عن معونته المالية متوجهاً إلى فضاءه العربي، وعنفوانه.
فالقرار كان سابقاً لتاريخه في تلك المرحلة، وسبق خطابات القومية العربية بقرارا حمل صداه إلى جميع البلاد العربية والعالم، فقرار الحسين لم يكّن وليد لحظة بل هو نتاج سياقات وميزته بأنه عبر باكراً عن فكره (طيب الله ثراه) بأنه كان سباقاً لكل مرحلة.
فلقد عزز تعريب قيادة الجيش العربي ثقة الأردن بنفسه، والذي كان (وما زال) المؤسسة الوطنية التي تصهر الأردنيين، وهي محل اعتزاز الأردني حيث يتطلع إليها على أنها مستودع فروسيته وقيمه وأنّ رماحها اللامعات هن بعض جباهه.
واليوم، وبعد 64 عاماً على هذا القرار وما حمله من أرثٍ موصولٍ ما زال ماثلاً، نتطلع إلى واقعنا العربي الذي تغير كثيراً، ونرى أنّ الأردن لم يتغير بل يصون لليوم معدن العروبة ويقبض على جمرها لا خطاباً وحسب بل وفعلاً.
وأمام ما يطرح من مشاريع تسويةٍ كصفقة القرن التي تحضر وتغيب على وقع الانتخابات والمجريات في البلاد الأمريكية، نرى أنّنا نملك محطات كافية بأنّ تعزز لدينا المقدرة على إتخاذ قرارنا المناسب كأردنيين.
وما نعيشه اليوم، لم يكن أسوأ من مراحل مضت من عمر الأردن، فذاك زمان كان مليئاً بعثرات الأشقاء وتربص الأعداء، وهذا الزمان بمثله، ولكن الأردن ورسالته ما تغيرت وما وهن ساعده.
فطرد كلوب وتعريب الجيش واحد من دروس تعلمنا وتزيد فينا الثقة بالمقدرة، فالأردن قرر عام 1956م أنّ يعرب جيشه وانقطعت عنه المساعدات البريطانية ولم يف الأشقاء بعدها بما وعدوا، واستطاع الأردن أنّ يواصل دوره حتى اليوم.
فالذين راهنوا على الأردن دوماً كانوا الرابحين، ذلك أنها بلادٌ صاغتها قوىً صادقةً منتمية إلى المنطقة، حيث الثورة العربية الكبرى، وحيث الناس الذين التحقوا بها مؤمنين بمقدرة العربي وبالرسالة الهاشمية، ولإيمان الأردنيين بأدوراهم وبالرسالة عبروا من المراحل أصعبها.
اليوم، نتأمل التاريخ، ونستقي العبر، أن فيه لنا منعة وفيه لنا زاد يعين حاضرنا ومستقبلنا على الاستمرار بأداء الرسالة في ظل قيادتنا الهاشمية المباركة.
ما يزيد على ستة عقودٍ مضت على التعريب، ونحو 100 عامٍ على عمر الدولة وما زلنا قادرين على المضي بركبنا العربي مطمئنين بالرضا إلى أنّ هذا الوطن رصيد لأمته ونصير لقضاياها، فلا عزمٌ يلين، حيث يواصل جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين مواصلة النهج الهاشمي بصون قضايا الأمة وحمل لواء البذل والوصاية لأجلها، وكل عام وجيشنا العربي الهاشمي بخير.