إطلاق كتاب المجتمع العربي: أزمة الراهن وسؤال المستقبل
أ.د. اسماعيل الزيود
27-02-2020 09:34 PM
فهذا كتاب ضم في دفتيه بحوث مؤتمر علم الاجتماع الإقليمي الأول الذي تمحور موضوعه حول المجتمع العربي من حيث أزمة الراهن وسؤال المستقبل الذي عقده قسم علم الاجتماع في الجامعة الأردنية وأنني لأؤكد أن الحاجة إلى هذا العلم المهم باتت ماسة في هذا الوقت إذ هو علم يتبوأ بين العلوم الإنسانية مكاناً عليا حتى إنه يعد من أقدم العلوم التي بحث بها الإنسان، فهو منهج نظري لعلاقة الفرد بالفرد الآخر وعلاقته بالمجتمع والبيئة التي يعيش فيها. وهذا ما أكده مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون الذي يرى أن هذا العلم علم يعرض لطبيعة العمران من الأحوال مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر على بعضهم بعضا وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع وأثر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال وما لذلك من العلل والأسباب.
و للوقوف على أهمية علم الاجتماع تجدر الإشارة في المقام الأول إلى أن ظهوره كان جزءا أصيلا من النهضة العلمية والحضارية الحديثة في الغرب كما أسهم وما يزال على نحو فاعل في تقدم المجتمعات الغربية ولعل حقبة نشوء هذا العلم في غمار الثورة الصناعية تكون ذات دلالة واضحة على أنه جاء استجابة للمسكلات التي طرحها التغير الاجتماعي في تلك المجتمعات.
دعونا نفكر قليلا ونتساءل يا ترى أليس ذو دلالة أن يكون معظم المستشارين في الإدارات الأمريكية منذ خمسينيات القرن الماضي وغالبية مؤسسي مراكز دراسات المستقبل منذ ثلاثينيات القرن المنصرم في أوروبا من علماء الاجتماع، وماذا يعني لنا عدم خلو المجتمعات المتقدمة اليوم من مؤسسات اجتماعية. وهل يمكن اليوم صناعة قرار فعال ومؤثر وناجح في المجتمع وفي حياة الناس من غير معرفة فئات المواطنين ومشكلاتهم وحاجاتهم وتوجهاتهم أو من غير معرفة واقعية وموضوعية بتركيبة المجتمع وإمكاناته.
إن الملاحظة العامة ترينا أن مراحل التغير الاجتماعي والاقتصادي السريع التي مرت بها بعض المجتمعات سابقا كانت دائما تفرز مشكلات اجتماعية ثقافية وأخلاقية من كل نوع. وقد كان لعلم الاجتماع دور كبير في دراستها وفهمها ومساعدة أصحاب القرار في التعامل معها. فماذا عن مجتمعاتنا أليست هي الآن تجتاز مرحلة انتقال وتغير اجتماعي سريع يتمثل في إحدى صوره بما سمى بالربيع العربي مع ما يولده ذلك فيها من عواقب ثقافية واجتماعية وأخلاقية أوَ ليست هي في غاية الحاجة إلى متخصصين في علم الاجتماع يمكنهم أن يتعهدوا هذه العواقب بالدراسة والفهم والتقريظ وهذه التغيرات بالترشيد الاجتماعي العقلاني.
إن العالم اليوم تحوطه ثورات سريعة تكنولوجيا جديدة وعولمة وثراء فاحش وبطالة كبيرة وإعلام عالمي وحروب جديدة من نوع ومبررات جديدة مختلفة وحركات شباب وجماعات ومجتمعات افتراضية، إنه تغير لا يسمح بالتقاط الأنفاس هذه المشكلات تضع مجتمعاتنا والقائمين عليها من أصحاب القرار والمخططين والمفكرين والاستراتيجيين اليوم في جو من الإرباك والتشوش، وذلك أنهم أحيانا وقبل أن يتموا السنوات الأولى من خططهم يكون المجتمع قد انتقل إلى حالة أخرى مختلفة عما بدأوا به، كما يكون التركيب الاجتماعي الذي بدأوا به برنامجهم قد تحول إلى تركيب آخر مختلف
لذلك يرى من يلاحظون هذا الأمر من المفكرين في علم الاجتماع أن على هذا العلم أن يصبح نشاطا نقديا اجتماعيا سياسياً، يحلل القضايا اليومية مثلما هو نشاط أكاديمي علمي يدرس القضايا الاجتماعية الكبرى.
وبذا فإن هذه التغيرات الملموسة تشجع على أن يوجه هذا العلم توجيها تطبيقيا يخدم المؤسسات الاجتماعية بأنواعها المختلفة الاقتصادية والسياسية والتنظيمية والثقافية.
ولكل ذلك لعل الحكمة اليوم تقتضي إعادة التفكير بأهمية علم الاجتماع وزيادة الحصص المخصصة له في خطط البحث العلمي على المستوى الوطني.
ولجلاء التباس ممكن فإن علم الاجتماع لا يقتصر على دراسة المشكلات بالمعنى الوظيفي السلبي لما يسمى بالظواهر المرضية بل يمتد اهتمامه إلى الظواهر والحالات والوظائف الاجتماعية السلمية بغية فهم عناصرها وإدراك عواملها وتحسين أدائها. كما يمكن لعلماء الاجتماع استشراف المستقبل ووضع السيناريوهات المحتملة للعواقب الاجتماعية للإجراءات الاقتصادية أو السياسية، مما يمكن من الاستعداد للمشكلات المحتملة قبل حدوثها.
من هنا فإن واقع الحال والظروف الحرجة التي تمر بها المنطقة والإقليم على نحو عام لتلقي بظلالها على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والديموغرافية جميعها؛ إذ الواقع اليوم خصب بالأحداث ومتخم بالتغيرات ومليء بالعديد من المشكلات والظواهر الاجتماعية التي جاءت نتيجة لما لم نألفه في مدد سابقة وحقب فائتة. فإنه يؤمل أن تجدوا في هذا الكتاب بحوث قيمة تلقى صدى عند من يعتني بها قراءة وفهما وعلما وعملا إذ هي دراسات تناولت بالبحث والتحليل واقع المشكلات والظواهر الاجتماعية المختلفة وأسبابها التي سلف ذكرها وتنبأت بمستقبلها من حيث الاندثار والتنامي متوقفة على الآثار التي تنعكس على الفرد والمجتمع.