لم يختلف الصحافيون الاردنيون مع الحكومة حول مدونة ( السلوك الحكومي مع الصحافة) فهذه قضية بادرت الحكومة فيها لتنظيم عمل الجانب الرسمي مع الصحافة بما يحفظ استقلاليتها, ونقابة الصحافيين بانها خطوة ضرورية لتعزيز ميثاق الشرف الصحافي من خلال قطع علاقة المصلحة المادية والمعنوية بين الحكومات والصحافة.
لكن التباين في وجهات النظر تركز على مدى كفاية ونجاعة القواعد التي اعلنتها الحكومة لتصحيح العلاقة مع الصحافة ومدى قدرة الحكومة على السير حتى النهاية في اجراءاتها من دون محاباة لطرف او اكثر, وترافق ذلك مع شكوى جديرة بالاهتمام من قبل الصحف الاسبوعية والالكترونية من "حملة تشهير" باتت موجهة الى الجميع من دون تمييز بين طالح وصالح.
بداية لا بد من الاعتراف بان الحكومات المتعاقبة هي التي افسدت "بعض" الصحافيين و"بعض" الصحف نتيجة ما قدمته من اموال وخدمات من اجل شراء "سكوتهم ومواقفهم" ولكن في الوقت نفسه فان ثمة افرادا يتحملون مسؤولية "بيع انفسهم", لان "نوم" الصحافة في "فراش" الحكومات هو خسارة كبيرة للناس وللوطن نتيجة فقدان الصحافة دورها الرقابي كعين للمواطن على اعمال السلطة التنفيذية.
الحكومة وعلى لسان الرئيس الرفاعي في اللقاء مع رؤساء تحرير الصحف اليومية اكدت ان لا نية لقطع اشتراكات الصحف بقدر ما هناك سعي لزيادتها لكن بطريقة منظمة وانهاء الاشتراكات الزائدة وغير الضرورية.
ليس سهلا على الحكومة ان تتخذ مثل تلك الاجراءات, فوقف تعيين الصحافيين في المناصب العامة ووقف الاشتراكات ووضع اسس جديدة للاعلان في وسائل الاعلام, رغم صداها في الاوساط الشعبية الا انها ذات كلفة في المعنى السياسي اي انها ستطلق يد الصحافة في النقد والرقابة بما يضع قرارات واعمال الحكومة كافة على المشرحة بكل وضوح ومن دون اية محاباة او تغاض بما يضمن حق المواطن من الاستفادة من حرية الصحافة التي هي امتياز للناس وليس للصحافيين.
الغريب ان الحكومة ادخلت في مدونتها مفهوما جديدا للاعلان في المطبوعات المتخصصة التي قالت المدونة انها ستعطيها "الاولوية لنشر اعلانات تستهدف جمهورا معينا" والمطلوب قبل ذلك تحديد مفهوم المطبوعات المتخصصة التي تزيد اليوم على 1200 مطبوعة اغلبها مشاريع فردية تتحايل على قانون المطبوعات ونقابة الصحافيين.
كنت اتمنى ان يُرْبَط الاعلان والاشتراك في المواقع الالكترونية والصحف الاسبوعية بما يدعم تلك المؤسسات الجادة وتقويتها لتتحول الى مؤسسات حقيقية مثل الاشتراط على المواقع التسجيل في سجل الشركات كما تفعل زميلاتها الورقيات ووضع عنوان ومقر ثابت معروف وتحديد اسم الناشر والكادر الوظيفي وتفعيل قانون الملكية الفكرية عليها بمنع عمليات نقل المقالات والاخبار من والى الصحف الورقية.
لان مثل تلك الاجراءات ستقوي تلك المواقع والصحف وتجعلها مؤسسات صحافية حقيقية وتضع خطا فاصلا بين المحترفين والهواة وتجعل المواطن يتعامل مع مؤسسات موجودة وليست افتراضية او وهمية يديرها شخص من بيته او مكان عمله.
ولتكن الحكومة على قدر المسؤولية وتكمل شجاعتها وتقبل بدفع قيمة اعلاناتها حسب القيمة نفسها التي يدفعها المواطن, لا سيما ان الصحف تدفع ضريبة الدخل والمبيعات ورسوما جمركية على الورق والاحبار.0
nabil.ghishan@alarabalyawm.net
العرب اليوم