الخليج وتحديات القرن .. رؤية استشرافية
د. عبد الحميد الأنصاري
24-02-2020 05:21 PM
أنتج تدفق الثروة الريعية الخليجية، عوامل أربعة: الأول: تدفق سيل بشري ضخم من العمالة الرخيصة، مُتدنية المهارة، بعد أن كان، في الماضي، محدوداً، ومنظماً، ومرتبطاً باحتياجات التنمية، لكن مع ارتفاع أسعار النفط، وتزايد المداخيل، والتوسع في المشاريع العمرانية، وعمليات التحديث الضخمة، وما تتطلبها من تطوير في البنية التحتية من طرق وجسور وكهرباء ومجارٍ، أصبح هذا التدفق، طوفاناً بشرياً، خانقاً للعواصم الخليجية.
الثاني: كان لاستقطاب الاستثمارات الخارجية دور في اجتذاب المزيد من العمالة .
الثالث: ساهم نشوء طبقة جديدة من (الرأسمالية الطفيلية) حققت ثروات ضخمة، في تزايد الطلب على العمالة، لاحتياجات مشاريعها التجارية والعمرانية المجسدة في ظاهرة الأبراج الشاهقة والمجمعات السكنية والتجارية .
الرابع: أمام تزايد الثروات، وتعاظم الأطماع والمخاطر، وجدت دولنا نفسها بحاجة إلى حماية أمنها واستقرارها، فلجأت إلى تحالفات مع قوى دولية وإقليمية .
هذه العوامل أفرزت تحديات جديدة أبرزها :
تضاؤل العنصر المواطن في قوة العمل، وضعف إنتاجيته، بسبب زيادة الاعتماد على الوافد، وضعف المخرجات التعليمية، وقصور برامج التأهيل، وإفساد مفهوم المواطنة، وفي ظل ضعف إنتاجية المواطن، تكون أي زيادة سكانية وافدة عبئاً إضافياً معطلاً للتنمية.
تفاقم الاختلالات السكانية: أصبحنا اليوم، أقليات، وغرباء في أوطاننا، نتيجة عشوائية استقدام العمالة لخدمة مصالح خاصة، وما لابسها من أوجه فساد، وما التجارة في التأشيرات (الفيز) وتزايد العمالة السائبة والمتسولين الذين تفيض بهم الشوارع إلا أحد مظاهر هذا الانفلات، التخوف من وصول المواطنين إلى 5% وتحول الهوية شعاراً نتغنى به، والانزلاق لمرض كراهية الأجانب، كما أوروبا..علينا إحكام ضوابط الاستقدام قبل أن يجرفنا الطوفان، واستقطاب الكفاءات العربية المثرية للتنمية والهوية، وتجنيس المتميزين منهم، وممن ولدوا في الخليج.
تزاوج المال والسلطة.. فحكمة الخليفة عمر"ما عدل والٍ أتجر في رعيته" تلخص الوضع السياسي الاقتصادي الخليجي، وفي أدبيات التنمية تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي الخاص يفسده، كذلك عندما يكون صاحب السلطة رجل أعمال، لأنه يخل بقواعد التنافس الحر، كونه يتمتع بنفوذ لا يحظى به الآخرون، وما ظاهرة الأبراج الشاهقة والمجمعات السكنية المشكلة جزراً اجتماعية منعزلة، إلا نتاج هذا التلاقي بين مصالح متخذي القرار ورجال الأعمال، أصبح المواطن يسير في مناطق وفرقان ولا يشعر أنه في دولة خليجية! الخشية من تلاشي هوية العواصم الخليجية.
تزايد حجم الفساد؛ لارتباطه باقتصاد الريع، وهو فساد كبير، يتعلق بالعمولات الكبيرة في المشاريع الضخمة، يحصل عليها متنفذون عبر الشركات العابرة للقارات، تجليات الفساد الخليجي عديدة، هذا تحد علينا تحجيمه، وإلا فإنَّ (العافور) ملوث مدمر.
أخلاقيات الزحام: أصبحت العواصم الخليجية مزدحمة، خانقة، متلفة للأعصاب، مفسدة للأخلاق، شديدة الصخب والإزعاج، نتيجة الفوضى المرورية، وهي أخلاقيات متخلفة، إذا لم تضبط بالقانون الحازم شقينا بها.
الخلاف الخليجي: فائض الثراء، جعل الفرقاء في غنى عن بعضهم، وتقوى كل طرف بالخارج، إذا أزمن الخلاف، فلا مستقبل للمجلس.
استمرار الاعتماد على مصدر أحادي ناضب: رغم كثرة الوعود بتنويع مصادر الدخل إلا أنه لا يزال شعاراً، ولا يزال الخليج عمراناً بلا اقتصاد (مشاريع عمرانية بلا عائد اقتصادي) مستقبل الخليج الاقتصادي مُهدد، طبقاً للتقارير الدولية.
تلويث البيئة: التكدس البشري في رقعة ضيقة، وكثرة الانبعاثات السامة من مركبات الحركة والنقل، والبواخر التي ترمي بالنفايات، رفع من معدل التلوث. والسؤال: هل نحن بحاجة إلى كل هذا الكم من السيارات؟!
والمحصلة تردي الجودة النوعية للحياة؛ حيث كانت المحصلة، أن الخليجيين وبالرغم من ثرواتهم، لا ينعمون بحياة ذات جودة عالية، تتناسب وهذا الثراء، على مستوى الخدمات والمرافق العامة والبيئة النظيفة الجميلة الهادئة.
هذه تحديات، تتطلب إعادة النظر في النمط التنموي الريعي السائد، عبر جعل السياسة خادمة للاقتصاد، الخليج ومستقبله أمانة في أعناقنا.
(جريدة الرؤية)