قصيدة "سيد العرش" .. هذي البلاد على أحلامنا اتكأَتْ
إبراهيم السواعير
24-02-2020 12:36 PM
في قصيدته، التي نتمنى أن تكون مغناةً لحسن صورها الفنيّة ومناسبة موسيقاها لأن يصدح بها تلفزيوننا الوطني عنواناً لبيعة عميد آل هاشم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه،..كان الشاعر علي الفاعوري يتسلسل في أفكاره ويكسو قصيدة المناسبة ثياباً قشيبة بذكاء وعاطفة جيّاشة؛ بين يدي حضرة صاحب الجلالة في احتفال القوات المسلحة الأردنية بعيد ميلاد جلالته الميمون ويوم الوفاء للمتقاعدين العسكريين، وهما مناسبتان عزيزتان على الشاعر الفاعوري ابن المؤسسة العسكرية، الذي يظلّ قلبه عامراً بالرغم من تقاعده، لينسج على تفاعيل البحر البسيط قصيدة "سيّد العرش"، مطلقاً في سماء عمّان افتخاره بمليكه ومعلناً بأصرح عنوان "الفزعة" والارتباط بالوطن، وعدم بيع المبادئ والمنطلقات؛ فالدم حاضرٌ والبلاد تتكئ دائماً على الأحلام المشغولة بنداء الواجب والتضحية وقيم الحبّ والفداء.
علي الفاعوري، الذي كتب نصوصه الرمزية وأبدع في مراميها وطقوسها وحواراتها ومعانيها الذّاتية والإنسانيّة، يبدع اليوم في قصيدة عمّان وفارسها، مطلقاً كامل طاقته، لمعرفته بجماليّة رويّها وهي تنطلق من حنجرة فنان تحملها موسيقى؛ مأخوذاً بغناء النوارس في عيد شيخ الحمى، ومتسائلاً وهو يتغنى باليقين في إجابة يحملها السؤال التقريري: "أبا الحسين، ومن إلّاك سيّدها.. ومن بغيرك قد تزهو مجالسها؟!".. ليستمر تأكيد ما يتلو ذلك من أسئلة متدفقة غير ثقيلة، منسابة، يحضر فيها شموخ الأرض بجلالة الملك ووجهه الوضّاء الذي يؤنسها، ليشتغل الفاعوري على اللون ومتضادات الورد والشّوك والأخضر واليابس، مفتخراً بحارس عمّان بعد الله، وعباءات أجداد الملك الغرّ الميامين الذين لا تنافس عباءاتهم عباءة، لينتقل الفاعوري بكلّ ذكاء ومحبة إلى إعلان "الفزعة"، منسجماً في تعابير القوّة ومستعيراً صورة الرعد والمطر ولقمة الخبز المغموسة بالبارود لتأكيد قيمة الصبر للمتقاعدين وأبناء الوطن الذين يقتاتون من جوعهم جوعاً فلا يمنّ عليهم أحد، معاهدين بلادهم وهي تغريهم نواعسها، فلا يبتعدون عنها؛ مدركين أنّ إفلاس البلاد ليس من المال بل من الرجال، ولذلك يظل الوطن غنياً وكثير الثراءعلى الدّوام.
فنيّاً، اشتغل الفاعوري على الورد الطالع من رحم الأشواك، والعباءة التي تحيلنا إلى الوصاية الهاشمية على القدس، فلا ينافس المليك الهاشمي عليها أحد، ونبتة العزّ التي يغرسها جلالته فتنبت الرجال، كما ذهب إلى صورة الأرض التي ترعد فيغدو المُحبون فوقها مطراً، إضافةً إلى صورة لقمة الخبز المغمّسة بالبارود، والأرض العليمة بنفائسها، وصورة الغزل بنواعس البلاد بما تحيله النواعس من صورة شفيفة للمحبوبة الجميلة.
كثيراً ما يفتقد النظّامون إلى العاطفة وهم يكتبون شعرهم الوطنيح إذ تغيب دفقاتهم بالسطحي والنمطي في الاستهلال والمتن وحشود الصورة السائدة، غير أنّ الفاعوري كتب قصيدته بقلبه وجعلها تنتمي إليه بما استعاره من صور، منها صورة الإفلاس المعنوي المغايرة للإفلاس المادي،.. والأرض المتكئة على الأحلام، فنحن أمام قصيدة مشغولة بذكاء ومحاور ليست ثقيلةً، جاءت شذرات للشاعر الذي وشّى قصيدته بالجمال، دون أن يذهب إلى التعقيد أو الغموض، مع مقدرته المعروفة على ذلك؛ شاعراً له تجربته ومعطياته ومبررات قصيدته الفنية، خصوصاً في ديوانه "آيل للصعود" الحائز على جائزة حبيب الزيودي 2019، إذ أراد أن تصل محبّته إلى قلوب الناس جميعاً، فكان رهانه على صور متدفقة حملتها أبيات أصيلة في مفرداتها وموسيقاها، ليجعل من قصيدة المناسبة قصيدةً هادرةً لكن دون إيذاء بالمكرور من التشابيه؛ ولذلك فقد وصلت فكرته وحققت عنصري الجمال والمناسبة ولبّت نداء الوطن في لافتات موشاة بماء الشعر ألقاها بين يدي جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله.
"عمّانُ
والفارسُ المِغوارُ
فارسُها
في عيد شيخِ الحِمى
غَنّتْ نوارِسُها
أبا الحسينِ ..
ومَنْ إلاّكَ سيِّدُها
ومَنْ بِغَيْرِكَ قدْ تزْهو
مَجالِسُها
ومن بغيركَ
هذي الأرض شامخةً
ومن سوى وجهكِ الوضّاءِ
يؤنسُها
أطْلَعْتَ مِنْ رَحِمِ الأشواكِ
وَرْدَتَها
فاحْمَرَّ دحنونُها ..
واخْضَرَّ يابِسُها
عمّانُ تزْهو
وتدري أنَّ سَيّدَها
إنْ تَجْفُلِ العيْنُ
بعدَ اللهِ حارِسُها
يا إبْنَ الكِرام
عَباءاتٌ مُطَرّزة
أجْدادُكَ الغُرُّ
مَنْ يأتي يُنافِسُها
يا سَيّدَ العرشِ أبْشِرْ
كُلُّ فَزْعَتِنا
ونَبْتَةُ العِزِّ فينا
أنتَ غارِسُها
إنْ تُرْعِدِ الأرضُ
نغدو فَوقَها مَطَراً
ولُقْمَةُ الخُبْزِ
بالبارودِ نَغْمِسُها
نقْتاتُ مِنْ جوعِنا
جوعاً
ولا نَدْنو
إلى وضيعٍ
ثِيابُ المنِّ
لابسُها
نحنُ الذينَ على حُبٍّ
نُعاهِدُها
هذي البلادُ
وتُغرينا نَواعِسُها
هذي البلادُ
على أحْلامِنا اتّكَأتْ
والأرضُ أدْرى
بما تُخْفي
نَفائِسُها
يا سَيّدَ العرشِ
خُذْ ما شِئْتَ
مِنْ دَمِنا
واسْقِ البلادَ
ولا نَذْلٌ يُدَنّسُها
الأرضُ تُفلِسُ يا مَولايَ
إنْ نَضَبتْ
مِنَ الرّجالِ
وليْسَ المالُ
يُفلِسُها..".