ظل الأردن وعلى مدى عقود طويلة مستقبلا للاجئين وما ينجم عنها من تبعات مالية واقتصادية واجتماعية، وتأثر الأردن كثيرا بتداعيات الازمات الاقليمية المتتابعة في المنطقة، وفي قليل من الأحيان كانت تنعكس تلك الأزمات إيجابيا في المدى القصير على الأردن من ناحية استقطاب بعض الاستثمارات او المدخرات وغيرها، ولكن الأثر بعيد المدى لم يكن في كثير من الأحيان ايجابيا.
هذه المقدمة ظلت ثابتة في الخطاب الأردني عند الحديث عن تحديات الاقتصاد الأردني وكيف يتفاعل مع بقية دول العالم، أو بمعنى آخر في السردية التقليدية التي يبنى عليها الخطاب الأردني الذي بموجبه استحق الأردن المساعدات التي ترد في الموازنة سواء من الدول العربية أو بقية دول العالم، وكان هذا الحديث مقنعا حتى فترة قريبة، لعل آخرها أزمة اللجوء السوري وما نجم عنها من عبء هائل على المرافق الخدمية والبنية التحتية مستمر حتى اليوم ، فكيف تغير العالم وما هو مضمون الخطاب الجديد؟
على الصعيد العالمي، لا توجد مساعدات مستمرة إلى ما لا نهاية، وتدريجيا تفقد الدول المانحة حماستها لتقديم الدعم بعد مرور عدد من السنوات بسبب طبيعة المشاكل المستجدة وبسبب افتراضات خاطئة من قبل الدول المانحة حول قدرة الدول المتلقية للمساعدات على استيعاب الاعباء المتنامية والقدرة على التكيف معها.
ولعل تغير موقف الكثير من الدول ومن ضمنها اميركا واوروبا من الازمة السورية، والنسبة المتواضعة المتحققة في تمويل خطة الاستجابة الأردينة للوفاء بمتطلبات اللجوء، خير دليل على التغييرات التي نمر بها، فالحديث عن استيعاب اللاجئين بدأ بتوفير الملجأ والمسكن وانتقل إلى ضرورة الاستيعاب شبه الدائم وصولا إلى مرحلة الادماج في المجتمع وسوق العمل. هكذا ينظر العالم إلى صيرورة هذه الأزمات، وهكذا تصبح الشروط المرافقة لتمويل الازمات مختلفة وأكثر تشددا. ولسنا بصدد مناقشة هذا المنطق وعدالته، فهذا المسار الموصوف اعلاه والذي يطبق عمليا ، كمن يعاقب الدول التي قامت نيابة عن العالم بدورها الانساني.
وهنا يبرز السؤال، هل نستمر بنفس مفردات الخطاب التقليدي، ام ان علينا تغيير اللغة التي نخاطب بها الدول التي ما تزال عندها الرغبة بمساعدة الأردن؟ في الحقيقة لا مناص ولا يوجد بدائل عديدة امام الأردن سوى تجديد الخطاب وتعزيز الجاهزية لتنفيذ عدد من المبادرات الاستثمارية ذات الأثر الدائم على الاقتصاد الأردني تشغيلا وتصديرا.
فالاستمرار في طلب المساعدات للوفاء بالاحتياجات لن يكون مجديا في الفترة المقبلة، والتحويلات النقدية لدعم برامج في الموازنة تتراجع شيئا فشيئا، وهذا يقتضي التركيز على تنافسية الاقتصاد وتحقيق النمو المستمر من خلال برامج واضحة ومبادرات محددة تعزز الاعتماد على الذات.
لا ينفي كل هذا عدالة مطالب الأردن بالحصول على المساعدات، ولكن من الضروري فهم كيف يتغير العالم وما هو المنطق السائد وما طبيعة المشاكل المستجدة حول العالم، وكيف تتغير ديناميكيات السياسة التقليدية داخل الدول التي نتعامل معها حيث خرجت قوى سياسية جديدة يحكمها منطق واولويات مختلفة، فالعالم العام 2020 سياسيا واقتصاديا اختلف كثيرا عما كان عليه عند اندلاع أزماتنا الاقليمية المتواصلة، ورغم المنعة التي ميزت الأداء الأردني خلال العقد الماضي، إلا ان تحدياتنا الداخلية ما تزال قائمة. وما يزال الأردن بحاجة إلى المساعدات لتخفيف وطأتها، ولكن هذا الامر يحتاج إلى تغييرات جذرية في الكيفية التي نقوم بها بذلك والحلول الممكنة في ظل الظروف المتغيرة.
(الغد)