التصريحات الإختيارية بقبول القضاء الإلزامي لمحكمة العدل الدولية
أ.د نفيس مدانات
23-02-2020 08:59 PM
وبإغفالها تأسيس صلاحيتها لأول وهلة (Prima Facie) أيضاً ابتدأ من التصريحات الإختيارية بقبول قضائها الإلزامي المقدمة من البلجيك والسنغال، كانت المحكمة قد قدمت البرهان على الإختصار الذي يمكن تبريره بالسرعة التي تميز إجراءات فحص الطلبات بذكر الوسائل العاجلة الحفاظية. والمحكمة كان بإمكانها تحديد بأن هذه التصريحات تشكل أساساً لصلاحيتها لأول وهلة (Prima Facie). وفي الواقع، هذه التصريحات هي التعبير عن مبدأ إرتضاء الأطراف بقضاء المحكمة (أ) ومنه صحة الإجراءات (ب) ولا يعود هناك شك في النزاع الدولي.
أ-تفسير مبدأ إرتضاء الدول بقضاء المحكمة
علاوة على واقع أن المحكمة قد قضت بأن الصلاحية لأول وهلة (Prima Facie) التي تستمدها من الإتفاق ضد التعذيب هي كافية، الا أنها قد أغفلت بأن تحدد بأن التصريحات الإختيارية بقبول قضائها، كما هي المادة (30) من هذا الإتفاق، هي التعبير عن مبدأ إرتضاء الدول بقضائها. بالحقيقة، أن الدول الأطراف بالنظام القانوني للمحكمة لهم الإمكانية بتقديم تصريح من طرف واحد بالإعتراف بأن قضاء المحكمة الزامي تجاه أي دولة أُخرى تقبل بنفس الإلتزام.
وهذا النظام أي الشرط الإختياري يعني إنشاء فريق من الدول قد أعطت بشكل متبادل الصلاحية للمحكمة لحل كل نزاع ممكن أن يحصل مستقبلاً بينها. والمقصود بداية صيغة إتفاقية بين المثالين الذين أرادوا إقامة قضاء الزامي للمحكمة لجميع الخلافات بين الدول الأطراف في نظامها القانوني كونهم قد ارتبطوا به، والتقليديين، الذين قد واجهوا المحكمة كجهاز بسيط مفتوح لكل الدول التي ارتبطت بنظامها القانوني، إذا قررت أن تُخضِع لها الخلافات بينها بإتفاق خاص.
وكما كتب (أبي صعب Abi Saab) "العدالة المُقامة هي دائماً كانت بالنسبة لرجال القانون الدوليين دواءً، علاج أعجوبي لكل الأوجاع، لكل المساوئ، ولكل حالات الضعف في التركيب في النظام، وهي نوع من الحجر الفلسفي في القانون الدولي". والحالة هذه هناك بعض الدول لا يدركونه دائماً على هذا الشكل، فمراجعة المحكمة جرى إدراكها من البعض كحركة غير ودية.
والمكانة التي يحتلها الإتفاق ضد التعذيب في هذه القضية، لها بدون شك أن تسمح للمحكمة أن تتجنب البحث من خلال التصريحات بقبول قضائها المقدم من الأطراف كأساس آخر لصلاحيتها لأول وهلة (Prima Facie). وبالإمكان التفكير، من أجل تبرير التعليل من جانب المحكمة، بأنه بسبب الإهتمام بعلاج للإجراءات، لم تكن تريد ضياعاً للوقت.
وبفحص شروط المادة (30) من الإتفاق ضد التعذيب، كان بإمكان المحكمة أن تركز على مبدأ إرضاء الأطراف بقضائها الإلزامي. وبالإمكان التقدير بأن المحكمة كان من واجبها أن تذكر بأن هذا المبدأ يبقى دائماً جازماً في الإجراءات أمامها. وفي الحقيقة كما لاحظ (كويندك Queneudec) "بأن قرارها يجب الا يكون وقائي، (يجب أن يكون له أيضاً)، من بعض النواحي، قيمة تعليمية". ومن جهة أُخرى، "إن القرار القضائي هو أحياناً قابلاً أن يكون موديلاً لأتباعه، ومصدراً للوحي لأولئك الذين لهم وظيفة للمشاركة في الميكانيكية القضائية وهدف للدراسة التي من خلالها يستطيع اولئك الذين يهتمون بظاهرة القانون الدخول اليها". زاد على ذلك (ريجين بوذييه Régine Beauthier) والتصريحات تحقق أنها جازمة، في حالات لا بأس بها، لتأسيس صلاحية المحكمة.
إن التصريحات الإختيارية بقبول القضاء الإلزامي للمحكمة يعبر تماماً إذن عن سمو مبدأ الرضا الذي به يصبح ذا أهمية ببيان ملائمة الإجراءات أمام المحكمة.
الملائمة الإجرائية لمبدأ إرتضاء الدول بقضاء المحكمة
في اللائحة الصادرة بتاريخ 28/5/2009، لم يركز الجهاز القضائي الرئيسي في الأمم المتحدة على مبدأ إرضاء الأطراف بقضائها. مما هو على الأقل مستغرب عندما نعلم بأن هذا المبدأ رئيسي ضمن إطار الإجراءات أمام المحكمة. لأنه يشكل حداً لتدخل المحكمة عندما يكون نطاق الخصومة محدد بإرادة الأطراف. ونذكر أنه في قضايا أُخرى مع ذلك، كانت محكمة العدل الدولية الدائمة (C.P.J.I.) ومحكمة العدل الدولية (C.I.J.) قد أكدتا هذه البديهة. وفي الحقيقة كانت محكمة العدل الدولية الدائمة في السابق قد ذكرت بأن، "قضاء المحكمة يعتمد على إرادة الأطراف". ومن جهتها، محكمة العدل الدولية الموجودة الآن قد أعلنت بأن "المحكمة لا تستطيع ممارسة قضائها تجاه دولة ما إذا لم يكن ذلك برضائها". وإنه ليس عديم الجدوى بأن نذكر بأن المواد (36 فقرة 5 و 37) تنص بأن التصريحات والمعاهدات التي تشير لمحكمة العدل الدولية الدائمة السابقة تنقل آثارها على محكمة العدل الدولية الموجودة الآن (C.I.J.).
ونتذكر في قضايا أُخرى، بأن المحكمة قد أعطت أهمية كبرى لمبدأ إرتضاء الأطراف بقبول قضائها الإلزامي. في الحقيقة، قد ثبتت على هذا لتأسيس قضائها، والمحكمة تقدر في العديد من المرات مداه لتقرر فيما إذا كانت مختصة لأول وهلة (Prima Facie). ولقد كانت هذه هي الحال في اللوائح العشر بتاريخ 2/6/1999 الصادرة في القضية التي بها تواجه يوغوسلافيا الدول العشرة الأعضاء في (الأوتان Otan).
ومع ذلك، المراجعة الأكثر فأكثر للمحكمة من قبل الدول تتضاد مع المجادلة ذات الدلالة القليلة للشروط التعاقدية والتصريحات وحيدة الطرف التي توسع مجال صلاحية المحكمة. وقوي في هذا التحقيق (لويجي كوندورللي Luigi Condorelli) حين سأل إذا "كان استعداد الدول المتزايد لأن تأخذ طريقها الى لاهاي ليس (-----) في تناقض مع التردد التي تستمر هذه الدول في نفس الوقت بتحمله فيما يخص القبول بالشروط التعاقدية الإحتمالية (أو تقديم تصريحات وحيدة الطرف) ويخضعونها لقبول المحكمة؟) يجب البيان أنه خارج نطاق الشرط الذي يمنح الصلاحية المسجل في المعاهدات والتصريحات الإختيارية بقبول القضاء الإلزامي، بأن الدول باستطاعتها أيضاً المراجعة على أساس إتفاق ينعقد بعد حدوث الخلاف (La- Forum-Prorogatum) أي هو وسيلة تسمح أيضاً بإقامة رضاء الدول بقضاء المحكمة. وبكل أشكال الرضاء، فإن إقامته هي الأكثر مرونة. والمادة (38) فقرة (5) من نظام المحكمة تشكل نموذجاً لإقامته. وهذا النص يقرأ على النحو التالي:
"عندما يقصد الطالب تأسيس صلاحية المحكمة على الرضاء ولم يعط بعد أو تم التصريح به من قبل الدولة التي قدمت الدعوى ضدها، فإن الدعوى تحول لهذه الدولة. ومع ذلك، فإنها لا تسجل على الرول العام للمحكمة كذلك ولا عمل إجرائي يحصل ما دام أن الدولة التي قدمت الدعوى في مواجهتها لم تقبل صلاحية المحكمة لغاية القضية". وهناك تعريف واضح ل (Forum Prorogatm) قد قدمه (هيرش لوتر باخت Hersh Lauterpacht)، "إذا قامت دولة كالدولة (أ) وقدمت دعوى ضد دولة أُخرى كالدولة (ب)، على أساس صلاحية لا وجود لها أو مصيبة، فإن "الفورم بروروقاتم" يتضمن الإمكانية بالنسبة للدولة (ب) أن تعالج الوضع بتبني سلوكاً يساوي قبولاً لصلاحية المحكمة". ويحصل أحياناً أن المحكمة تقدم برهاناً له أكثر "جرأة وأصالة في البحث وتأسيس رضاء الأطراف(---) جاعلة "الفورم بروروقاتم" مذهبها". فنحن إذن على حق أن نقول بأن المحكمة ينبغي عليها أن تبين المكانة الرئيسية لمبدأ الرضاء بتأكيده مرة أُخرى في لائحتها بتاريخ 28/5/2009.
ينتج مما سبق، التحقق بقوة بأن أسس الصلاحية لأول وهلة (Prima Facie) هي جازمة في الإجراءات أمام المحكمة. لكن وجود خلاف بين الأطراف هو ضرورة متممة لتأسيس هذه الصلاحية، وبالتالي، ضرورة لاستمرارية الإجراءات العارضة في المسألة.
ملاحظة:
إن موضوع صلاحية محكمة العدل الدولية، هو عنوان رسالتي لاستكمال متطلبات الحصول على شهادة D.E.A. Droit Public.