الإصلاح المالي .. بشكل ولون آخر
د. عبدالحليم دوجان
23-02-2020 04:19 PM
يظهر أن محاولات الإصلاح المالي الذي قامت به الحكومات السابقة والحكومة الحالية بدأ يأخذ شكلا ولونا ثانيا، وهذا يمكن ملاحظته في سياسات الحكومة مؤخرا، فقد توقفت الحكومة عن البحث المباشر عن إيرادات جديدة لمعالجة المشاكل المزمنة في المالية العامة (عجز في الموازنة، مديونية وخدمتها وغيرها) بعد أن ارتكزت سياستها سابقا على فرض ضرائب بأشكال متعددة، مفترضة أن تلك السياسات ستعود بالنفع على المالية العامة وبالتالي على المواطن، والانتقال إلى وضع وحال أفضل بالوطن.
بلسان الحكومة في أكثر من مناسبة، أشارت إلى فشل تلك السياسيات لحد ما، فلقد تعمق العجز وارتفعت المديونية وساءت أحوال المواطن المعيشية أكثر، وازداد القهر وتلاشت الآمال، وتراجعت الأحوال العامة، تحديدا البعد الاقتصادي للمواطن.
واقعيا لم تتوقف الحكومة عن برامج الإصلاح المالي، لكنها اتجهت إلى شكل ولون آخر في إجراءاتها الإصلاحية، فلم تتغير النية في معالجة المالية العامة وفقا لشروط صندوق النقد الدولي كما يشاع، وإنما ما تغير هو فقط الاتجاه، فعمدت سياسة تخفيض الإنفاق وليس زيادة الإيرادات كما هو في السياسية السابقة، من خلال جملة من التقاعدات للموظفين في القطاع العام، دون الإشارة إلى تعيينات جديدة بديلة، مفترضة بذلك تحقيق وفورات مالية مباشرة في الموازنة الجارية، وبالتالي ما لم يُحصّل من الإيرادات قد يوفر من النفقات، فالمواطن في كلا الحالتين هو من يدفع الفاتورة ولكن من اتجاه آخر.
هذا حال كفلاء الوفاء والدفا هم أول من يضحي وآخر من يستفيد في جميع الأحوال وباستمرار، فالمواطن سيدفع الدية في النهاية، بدون ذنب أو جرم اقترفه، فقط لأنهم من أبناء قبيلة الجناة.
دفع المواطن (الموظف) الفاتورة عندما كان على رأس عمله، في المرحلة الأولى عند رفع الضرائب، والتي اعتبرت حلا لمشاكل المالية العامة في حينه، وسيدفع الفاتورة مرة أخرى نتيجة لقرار إحالته إلى التقاعد المبكر في الشكل الجديد من الإصلاحات المالية، وبذلك يكون المواطن قد دفعها مرتين إن لم يكن أكثر، علاوة على التداعيات الأخرى كالخوف والقهر لفئة تمتلك وعيا كبيرا بالأحوال العامة.
فلا يجب أن يكون البعد المالي البحت حلا لجميع المشاكل، وخصوصا في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن.