تدوير المناصب والنهج المفقود!
أ. د. صلحي الشحاتيت
23-02-2020 10:54 AM
في قراءة سريعة لعلم التدوير الذي بدأ منذ عهد أفلاطون، ونشأ على تدوير الأشياء بطريقة بسيطة وصولاً إلى التقنيات الحديثة، عندها كان الهدف منه التطوير والتحسين، وحماية الموارد الطبيعية من الاستنزاف، والتقليل من النفايات المتراكمة التي أصبحت تؤثر سلبا وبشكل كبير على البيئة.
لكن الملفت للإنتباه أنّ هذا العلم بات يستخدم في كل شيء حتى على الأشخاص في ظاهرة غير مسبوقة من التدوير الحكومي، على أساس أنها أداة من أدوات التطور الوظيفي والتغيير التنظيمي، على خلاف ما هو متعارف عليه في العرف الإداري.
لقد استغلت بعض الحكومات أداة التدوير على المناصب في مختلف قطاعات الدولة، فالمرشحون لتلك المناصب يظلّون في مستودع ذاكرة أهل القرار دائماً، فيتم اختيار بعضهم اليوم، ثم يُستغنى عنهم في تشكيلات أو تعديلات وزارية، ثم يعود هؤلاء إلى الواجهات في تشكيل وزاري جديد وهكذا، فتعاد دورة تبديل الكراسي من مسؤول أو وزير احتياط يجلس بهدوء وترقّب إلى آخر تم الاستغناء عنه، وتظل هذه الحركة لبعض الوزراء والمسؤولين مهيمنة على عقيدة أصحاب القرار، ويبقى بعض الوزراء ومن في حكمهم يراوحون في أماكنهم بثبات، دخولاً وخروجاً من وإلى الوزارة أو المنصب بالوجوه ذاتها والفكر ذاته، لا يتغيرون ولا يتبدلون، فمستودع الاختيار يبقى ثابتاً على حاله مهما تغيرت الظروف وتحديات الدولة.
لكن ماذا عن النهج المفقود لدى بعض حكوماتنا؟ والذي كان سببه تدوير لبعض الأشخاص عديمي الكفاءة، الذين أخفقوا في مواقعهم التي شغلوها، مما أدّى إلى ظهور الأزمات وتردي حال المؤسسات في فترة تسلمهم للوزارات المختلفة، فالمشكلة تكمن في التركيبة الوزارية التي تظهر في كل مرة وفي كل أزمة أنها غير قادرة على مواجهتها.
ولا يقتصر موضوع التدوير على بعض الوزراء فقط، فهذا السيناريو مطبق أيضاً على شخصيات خرجت من مواقع المسؤولية بعد غضب شعبي ودعوات لخروجها، لما كان لقراراتها من آثار سلبية على المواطن، بالإضافة إلى التخبط في القرارات وعدم القدرة على تحمل المسؤولية.
ولسان الحال في الأردن يقول: إننا لسنا بحاجة لتعديل وزاري يغيّر الوجوه أو يدوّرها، نحن بحاجة ماسة لتعديل إيجابي، يغيّر حياتنا بشكل إيجابي، عدا ذلك فالنهج سيبقى كما هو ولن يحدث أيّ تغيير، وفي ظل ما تمارسه بعض الحكومات من سياسة التدوير، لن يكون أيّ فرصة لتوليد الكفاءات القيادية والإدارية، لتمكينها من مواكبة المتغيرات والتطورات، فالدولة الديمقراطية الحديثة تقوم على مبدأ فتح باب الفرص أمام الجميع، بدافع محاربة الفساد السياسي والإداري والمالي، وبالتالي ضخّ الدماء الجديدة لتنهض من جديد في ظل هذه الحكومات.(الدستور)