هل نتوقف عن المطالبة بمبدأ ما، أو مطلب ما، أو حق ما عندما لا يتحقق؟
والجواب هو كلاّ.
مطالب الدول والمجتمعات الإنسانية في عالم اليوم كثيرة، وعلى مستويات عدة.
منها ما يتعلق بحقوق الإنسان، ومن ضمنها حقوق الطفل والمرأة وذوو الإعاقة وحقوق الشعوب في العيش بأمن وسلام؛ ومنها ما يتعلق بالأمن الوظيفي والاجتماعي والسياسي والتعليمي والصحي والبيئي؛ ومنها ما يتصل بالعدل والمساواة والعيش المشترك وحرية المعتقد والعبادة.
ومطالبنا نحن في هذا الجزء من العالم أيضاً كثيرة، وربما أكثر، لأننا نعيش مرحلة متأخرة من التقدم والتطور عن غيرنا، ولأننا وقعنا فريسة للاستعمار والاحتلال، وما زلنا نعاني من آثارهما وانعاكساتهما السلبية.
نعود إلى السؤال: إذا طالبنا بمطلب يتمثل في كل أو بعض ما ذكر أعلاه ولم يتحقق لأسباب خارجة عن نطاق إرادتنا، هل نتوقف عن المطالبة؟
نطالب مثلاً بمنظومات نقل متطورة، مثل التي نراها في دول أوفر حظاً؛ ونطالب بنظام مروري أكثر أمناً واحتراماً لحقّنا في استخدام الطرق بسلامة وأريحية؛ ونطالب بتخطيط عمراني محترف يأخذ حاجات قاطني المدن من الحدائق والمتنزهات ومرافق المشي والجري وأشكال الرياضة المختلفة للكبار والصغار بعين الاعتبار؛ ونطالب بنظام صحي أكثر كفاءة ويسراً، ونظام ضريبي أكثر رحمة، ونظام انتخابي أكثر عدالة.
وعلى مستوى أكبر، نطالب بحلٍ منصفٍ للقضية الفلسطينية، حل يقوم على احترام حقوق الإنسان والقوانين الدولية.
ونطالب بموقفٍ مُنسَّقٍ موحد فاعل للدول العربية في جميع القضايا التي تُهدّد أمنها، منفردة أو مجتمعة.
ونطالب بتعاون وتكامل فاعل بين الدول العربية، لتشكل وحدة اقتصادية واجتماعية وسياسية مؤثرة، على غرار الاتحاد الأوروبي مثلاً، يكون لها وزن عندما يفكر أحدهم بالاستقواء عليها؛ وتعمل كلّها لسعادة شعوبها ورخائها.
عندما يكتب أحدنا عن أي من هذه الأمور وغيرها، أو يتحدث عنها، أو يطالب بها، يسارع البعض إلى القول: «وما الفائدة من ذلك؟ لا أحد يستجيب» ؛ «أمة نائمة» ؛ «زعماء غافلون» ؛ «لقد أسمعت لو ناديت حياً» ؛ «لا جدوى من تضييع الوقت في كلام لا يجدي» وغير ذلك من عبارات سلبية عدمية مُحبطة.
صحيح أن معظم من تصدر عنهم هذه العبارات وغيرها يشاطرونك الرأي، ويتفقون على المبدأ، وصحيح أنهم يقولون ما يقولونه من باب الإحباط وربما الغضب لعدم تحقق المبدأ، وصحيح أن المطلب إذا لم يُقرن بالعمل لا يكون له المردود المرجو.
لكن الصحيح أيضاً، إذا اقتنعنا بالمبدأ أو المطلب أو الحق، أن نبقى نطالب به ولا نتوقف، سمع من سمع، أو تجاهل من تجاهل، لأن التّوقف عن المطالبة قد ينسي الناس تلك المطالب.
وهنا مربط الفرس: لا بد من التأكيد مراراً وتكراراً على المطلب، ولو من باب «الزّن» و«النّق»، كما نقول بالعامية، حتى يتحقق ما نريد، إن لم يكن في زماننا، ففي زمان أبنائنا وبناتنا، أو أبنائهم وبناتهم.
لنطالب بإصرار وبلا توقف؛ بغض النظر عن النتيجة.
(الرأي)