الضريبة ما بين التدقيق المحاسبي والتفويض الضريبي!
د. عادل محمد القطاونة
23-02-2020 12:55 AM
ما بين مٌناب ومنيب، مُفوضٍ ومفوض، تمثيلٍ ضريبي وإمتثال ضريبي، مدقق ضريبي ومدقق محاسبي، خبيرٍ ضريبي ومحاسبٍ قانوني، تتشابك المصطلحات والتعريفات وتتداخل التعليمات والإجراءات، ليتساءل البعض عن البعد القانوني في النظام الضريبي والتعليمات الصادرة والقوانين الناظمة للمحاسبة القانونية، المحاسبة الضريبية والمحاسبة الابداعية!
لقد جاءت التعليمات التنفيذية رقم (13) لسنة (2015) والخاصة بالإنابة لدى دائرة ضريبة الدخل والمبيعات والمستندة لقانون ضريبة الدخل رقم (34) لسنة (2014) وقانون ضريبة المبيعات رقم (6) لسنة (1994) وتعديلاته واضحة في البيان، بعيدة عن المكان، متناقضة في الزمان، وبعيداً عن الشروط الموضوعة والتفاصيل المطلوبة والاستثناءات الموجودة؛ يرى كثيرون أن التعليمات وبعد سنوات من تطبيقها إلا أنها لم ترتقي لمستوى الممارسات الدولية في العمل الضريبي الشامل المبني على نظام ضريبي كامل، حيث اشارت إلى المحامي المزاول والمحاسب القانوني العامل، إلى الموظف الضريبي السابق والخبير الضريبي اللاحق!
لقد كانت الفرصة مواتية عند اعداد القانون الضريبي الأخير رقم (38) لسنة (2018) في إفراد نص قانوني واضح للمفوض (المناب) الضريبي بعيداً عن الاجتهادات والتناقضات، المجاملات والتنازلات، في اعتماد خبير ضريبي واضح (ورد ذكر لهذا التعريف عند اعداد مسودة برنامج الاصلاح الضريبي الشامل في حزيران 2008) والتي نصت على أهمية وجود خبير ضريبي متخصص يكمل دور المدقق الضريبي كما هو الحال عند النظام الضريبي الانجليزي والايرلندي، الفرنسي والسويسري، وصولاً لنظام ضريبي دولي شمولي، يساهم في مكافحة التهرب الضريبي ويزيد من التحصيلِ الطوعي.
إن مهنة الخبير الضريبي باتت اليوم أمراً واقعاً وعملاً فاعلاً توازي في أهميتها مهنة التدقيق المحاسبي، فالضرائب تلعب دوراً محورياً في إعادة توزيع الدخول والثروات بين المواطنين؛ كما أن لها أهدافاً اقتصادية في تمويل موازنة الدولة؛ والمساهمة في عملية التنمية الاقتصادية وتحقيق التوازن الاقتصادي؛ إضافة إلى دورها السياسي والمتمثل في سيادة الدولة من خلال سيادة القانون.
لقد بدا واضحاً منذ سنوات أن السياسة الضريبية بحاجة إلى إعادة هيكلة تضمن زيادة الاهتمامِ بالإيرادات الضريبية المباشرة (الدخل والثروة)، مع الاهتمام بالضرائب غير المباشرة (ضرائب الاستهلاك)، وتغيير اتجاه البوصلة الضريبية إلى زيادة الاهتمام بالجمعيات الناظمة لأعمال المحاسبة المالية والضريبية، وتحقيق الكفاءة والفعالية في إدارة الوقت للمدقق والموظف الضريبي من خلال اشراك الخبيرِ الضريبي في صياغة وصنع القرار يرافق كل ذلك تحمل مسؤولية في المدخلات والمخرجات.
إن التهرب الضريبي مرض بحاجةٍ الى تشخيص كامل، من قبل طبيب عالم، يعطي للوطن حقه وللمواطن أصله، تشخيصاً محترفاً يوصف فيه العلاج الأفضل للوطن الأجمل، تشخيصاً يجعل من المواطن دافعاً محباً للضريبة، والموظف عاملاً مخلصاً للوطن، تشخيصاً يلغي الاستثناءات والتهديدات، تشخيصاً يمنع دائرة الضريبة من شطب معلومات الدخل عن فلان، وتوجيه الضربة القاضية لفلان، تشخيصاً يرى فيه الجميع أنفسهم جزءاً من قالب وطني اساسه الانتماء، واطاره الولاء، عمقه التقيد بالنظام، رسالته التشجيع على الالتزام وميزته السهولة في الاستخدام.
ان نظاماً ضريبياً يجعل من المكلف الضريبي كارهاً للاستثمار، والموظف الضريبي طالباً للاستقرار؛ نظاماً يشعر الغالب فيه بالخذلان، يستحق اعادة التقييم، حتى يطمأن المستثمر على امواله، والموظف على حياته؛ نظاماً شمولياً يعطي الجمعيات المتخصصة والمؤسسات الداعمة مكانتها في دائرة القرار، نظاماً يجعل من الخبير الضريبي جزءاً من التدقيق الضريبي لا عبئاً على القرار الضريبي.