شارفت «تركيا/ إردوغان» على وضع تصورات جديدة لتدويل وتتريك وجودها شمال غرب سوريا، ويتركز الوهم الاستعمارى التركى الذى يقوده إردوغان بشهية للسلطة وإعادة صولجان الخلافة العثمانية، عبر ضخ التعزيزات العسكرية والآليات الحاملة للمدرعات والمدافع نحو المناطق التى احتلها منذ ثلاثة أشهر وسكت العالم عن الاحتلال التركى لاعتبارات كرّستها الحالة الدولية التى تخوض فى سوريا وأنهكت سيادة الدولة الوطنية ليس أقلها إيران وروسيا وأمريكا، عدا دولاً من الاتحاد الأوروبى ودول حليفة عربية تقاتل بالوكالة.
تتريك إدلب بتعميق الاحتلال
منذ أكثر من أسبوع مضى تعميق إردوغان وقوات الجيش فى مشاريع لاستكمال احتلال وتدويل القرار الوطنى السورى على أرض مدينة إدلب والطريق الدولى الرابط بين دمشق العاصمة المفتتة من حيث تركز القوى العسكرية للأحزاب والمعارضة وعصابات النصرة وقوى داعش التى يعززها إردوغان بهدف وضع مشروعية أمنية للتواجد التركى فى إدلب، وبالتالى تغيير صورة سوريا وتعميق جراحها.
ما يعمل عليه إردوغان هو توريط الجيش التركى، ومن ثم توريط العالم فى جبهة إنقاذ جديدة لما ينشأ من وضع جديد على حدود إدلب ومصيرها ما يعنى تشريد ما يزيد على 6 ملايين نازح ولاجئ إلى مناطق متفرقة عبر العمق التركى الإيرانى السورى ويجتاح المناطق الشرقية من الصحراء والريف السورى. إردوغان يعجز عن كشف طينة وجهه الدموى بين مختلف الجبهات التى ورط بها الدولة التركية فبات عهده حالة من التدمير لمقومات تركيا السياسية والاقتصادية والحضارية ملبيًا شهوة عسكرية لفرض أجندات إقليمة.
من هنا ومن خارطة إدلب يعمل بصمت وجهل على إنهاء استعدادات مأمورة للجيش الانكشاري المساق عنوة(...؟) لبدء معركة ضد قوات النظام السورى المستمر فى محاولاته الوطنية حماية سيادة الدولة الوطنية، هى مناطق حساسة من محافظتى إدلب وحلب، حيث أعطى الرئيس التركى، الدموى إردوغان، النظام السورى مهلة حتى نهاية فبراير الحالى (...) للانسحاب إلى حدود اتفاق “سوتشى” المتعلق بخفض التصعيد فى إدلب.
الرفض الروسى
ما يلوح فى الأفق، ورغم الحال الإقليمية وواقع أحداث المنطقة الساخنة، فإن ما يواجه تركيا، قوة ناشئة، رفضًا للتهديدات والتوسعات العسكرية التى أطلقتها جيوش إردوغان تجاه الدولة السورية وتحديدًا جيش وقوات النظام السورى، الذى هو تلقائيًا «الحليف الاستراتيجى الأساسى» للتواجد الروسى العسكرى وصورة موسكو السياسية فى سوريا.
موسكو تخاطب العالم بقوة خفية لها مؤشراتها المستقبلية، فهى تشير إلى أن قوات إردوغان تمثل «عسكرتاريا إردوغان» التى تسيير وفق رغبات لا قرارات أو حكمة من تفعيل سيطرتها على إدلب الشوكة فى حلق كل فئات الصراع، وبالتالى فإن روسيا ترفض مجاهرة دوليًا أن تركيا إردوغان هى من أخلّت باتفاقية «سوتشى»، الذى وقعه إردوغان، والرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فى 17 من سبتمبر 2018.
يمثل الرفض الروسى حالة حاسمة لما ستكون عليه إدلب لو جر أسلحته ومعداته داخل العمق السورى، والواضح أن روسيا تعلن الرفض؛ لكنها لا تقف عسكريًا لتنفيذه ما يجعل إدلب فى مهب الريح وهى ليست الأولى التى تواجه فيها تركيا رفضًا معلنًا أو غير معلن من الدول الفاعلة فى سوريا، فى أثناء عزم أنقرة شن عملية عسكرية داخل الأراضى السورية.
درع الفرات.. ودعم له مؤشراته الأمريكية
علينا أن نتذكر 24 أغسطس 2016، عندما بدأت «تركيا /إردوغان» عملية عسكرية بهدف طرد تنظيم «داعش» من حدودها، واستهدفت العملية أولًا مدينة جرابلس الواقعة على الضفة الغربية لنهر الفرات، بريف حلب الشمالى، إلا أن الأتراك ركزوا متاعهم فى تلك المناطق برعاية أمريكية لها أبعادها الدولية، ذلك أن العملية هدفت «السيطرة على جرابلس» إلى منع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التى تشكل «وحدات حماية الشعب» (الكردية) عمودها الفقرى من الاستيلاء عليها وضمها لمدينة منبج (36 كيلومترًا جنوب جرابلس) التى نجحت فى انتزاعها من أيدى تنظيم «الدولة».
وانتهت العملية العسكرية فى 29 نهاية الشهر الثالث من 2017، بعد أن استطاع الجيش التركى و«الجيش الوطنى السورى»، السيطرة على جرابلس مرورًا بمناطق وبلدات مثل الراعى ودابق وإعزاز ومارع، وانتهاءً بمدينة الباب التى كانت معقلًا للتنظيم فى المنطقة.
وخلال سير عمليات معركة «درع الفرات» برز رفض روسى لها، مستندًا إلى موقف حليفه النظام السورى. وأعربت وزارة الخارجية الروسية حينها عن «قلقها البالغ» من توغل القوات التركية وفصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة فى عمق الأراضى السورية.
ولفتت الوزارة إلى أن هذه العمليات العسكرية تجرى بلا تنسيق مع «السلطات السورية الشرعية»، ومن دون تفويض من مجلس الأمن الدولى.
من جانبها، أدانت وزارة الخارجية السورية عملية «درع الفرات»، واعتبرتها «خرقًا سافرًا لسيادتها».
بيان الخارجية السورية لفت إلى مسألة مهمة تبدو سيادية فقالت: «تصر دمشق على أن محاربة الإرهاب على الأراضى السورية من أى طرف يجب أن تتم من خلال التنسيق مع الحكومة السورية والجيش السورى».
فى حين أيدت أمريكا وألمانيا العملية، وعبر نائب الرئيس الأمريكى، حينها، جو بايدن، عن دعم واشنطن لتركيا لأنها حليفة لها بالكامل.
غصن الزيتون.. رفض الناتو
فى هذه المعركة واجهت تركيا انتقادات من دول شريكة لها فى حلف شمال الأطلسى (ناتو)، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
وفى 20 من يناير 2018، بدأت القوات التركية و«الجيش الوطنى السورى» عملية عسكرية فى منطقة عفرين السورية، حملت اسم «غصن الزيتون»، وهدفت إلى إبعاد «الوحدات» الكردية من المنطقة.
كعادتها - وقد تفعلها بعد سفح الدم فى إدلب، طالبت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأمريكا وهولندا أنقرة بضبط النفس، فى حين قالت الممثلة العليا للسياسات الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، فيدريكا موغرينى، إنه ينبغى تجنيب المدنيين أضرار العملية العسكرية!
تفاهم أمريكى - روسى برفض أوروبى
المؤشرات التى تدفع إردوغان إلى استعراض هوسه العسكرى، وبالتالى بناء احتلاله فى سوريا الجريحة، يعود إلى تدويل العالم لمناطق الحدود مع تركيا ومع سوريا وخصوصًا ما أعلن عنه فى أوائل الشهر العاشر من عام 2019، عندما أعلن الرئيس التركى بعنجهية ودموية إطلاق عملية «نبع السلام» بالتعاون مع «الجيش الوطنى السورى».
واستهدفت العملية نقاط وجود «وحدات حماية الشعب» (الكردية) فى منطقة شرق نهر الفرات شمال شرقى سوريا، وتمكن الجيشان التركى و«الوطنى السورى» خلالها من السيطرة على مدينة تل أبيض بريف الرقة ورأس العين بريف الحسكة بالإضافة للمناطق الممتدة بينهما.
ورغم وجود شبه اتفاق «روسى - تركى» من جهة، و«أمريكى - تركى» من جهة أخرى، على حق أنقرة بتنفيذ العملية انطلاقًا من الدفاع عن أمنها القومى، عبر إنهاء حلم «الوحدات» بإقامة كيان كردى على حدودها، وفق التصريحات التركية الرسمية، فإن دولًا أوروبية رفضت العملية وصعدت من تصريحاتها تجاه أنقرة.
أما عن مواقف الدول الأوروبية الرافضة للمد التركى فى «نبع السلام»، إعلان كل من فرنسا وألمانيا تعليق بيع الأسلحة لتركيا.
الرئيس الأمريكى ترامب، تنصَّل من مسئولية بلاده بعد أن تعرض لانتقادات بسبب تصريح له اُعتبر من قبل منتقديه أنه ضوء أخضر لتركيا لتدخل منطقة شرق الفرات.
انكشاف سورى متعب.. والصمت العربى المؤلم
نتيجة الأحداث والوضع السياسى العربى والإسلامى والدولى المعقد بعد إعلان صفعة الرؤية الأمريكية للسلام بين المحتل الإسرائيلى والفلسطينيين أهل الأرض والقدس والبلاد كافة تضيع قضايا كثيرة من سوريا والعراق وليبيا ووصولاً إلى لبنان فالأزمة «العربية- العربية» تتواصل - رغم المخاوف المتعددة سياسيًا وعسكريًا وإقليميًا - لم تعد اقتصادية أو سياسية داخلية - خارجية أممية ففى ظلّ التبدّل الصورة بين الولايات المتّحدة الحال الإيرانى، والتركى الممتد تتغير الخريطة الإقليمية سياسيًا وعسكريا وبهذا المعنى، هناك انكشاف سورى لسيادة الدولة السورية متعب.. ونرى الصمت العربى المؤلم، يحاكى التدويل ولا يواجهه التتريك نظرًا للأحلاف الغربية على سوريا وصراعها الصعب «سوريا- سوريا» و«سوريا تركيا» وسوريا مع قوى الإرهاب وعصابات التطرف الدينى المدعومة .
الصراع على النفوذ «المختلف/المختلف عليه» فى سوريا، تعبّر عنه المعارك الدائرة فى إدلب، وبالتالى وضع خارطة إدلب فى عين المواجهة من سيادة الدولة، والتى تسعى روسيا من خلالها إلى إنهاء وجود الميليشيات فى إدلب، «وهذا مشكوك فيه» وتعويم الدولة السورية ونظامها المركزى وإنتاج ظروف «عربية- تركية - غربية» جديدة للعملية السياسية الصعبة فى ظل وجود العدو التركى فى إدلب.
سنوات الحرب تجد اختلالها أمام قوة غاشمة تريد تحقيق متغيّرات فى شكل الميدان العسكرى والإنسانى فى مناطق أساسية من الخارطة الجيوسياسية فى سوريا، وهى جيوسياسية تعيدنا إلى المربع الأول ومحاولات استدامة التقاء المصالح الأمريكية بالهيمنة الروسية والتحالفات الإيرانية والخفاء التركى الراهن للساحة السورية.
من يحسم الوضع فى إدلب؟
دوليًا تبدو الخارطة السياسية مع تغيير مفاجئ على الأرض السورية «مخلب القط الإردوغانى» جاهز للسير فى معارك يفرضها على أرض الرجل المريض المحتل سوريان الغرب ودول حروب الوكالات والذباب الإلكترونى السيبرانى يشتعل، ولن يكون لتركيا أو روسيا أو الولايات المتحدة أى دور فى حسم الاحتلال التركى لكل إدلب.
حقيقة أن إردوغان يلعب «بالتلات ورقات» ويعصر الدم على الحد السورى السورى، علينا أن ننبه إلى أنه ما يصح فى سوريا -اليوم- ليس بعيداً تطبيقه فى كل مناطق الصراع بداية من الملف الفلسطينى ومستقبل صفقة القرن بين «ترامب/ نتينياهو/ الفلسطينيين» ووصولاً إلى الأحوال فى العراق وسوريا ولبنان وليبيا.
يلفتنا إلى ذلك ما دعا إليه وزير دفاع إردوغان التركى خلوصى أكار، محددًا من الولايات المتحدة وحلف الناتو، إلى تعزيز دعمهما لـ«تركيا الاحتلال» فى ظل تصعيد التوتر(...) فى منطقة إدلب شمال غرب سوريا.
وزارة الدفاع التركية وعلى هامش اجتماع الناتو فى بروكسل، أعربت عبر وزيرها المتحدث لوزير الدفاع الأمريكى إسبر «عن ارتياحه لتصريحات المسئولين الأمريكيين حول آخر التطورات فى إدلب»، وشدد فى هذا السياق على «أهمية تقديم الولايات المتحدة والناتو مساهمة ملموسة» فى تسوية هذه القضية.
الناتو يعلم أن معظم أراضى محافظة إدلب السورية إضافة إلى أجزاء من محافظات حمص واللاذقية وحلب، ضمن منطقة خفض التصعيد التى أقيمت فى إطار عملية «أستانا» التفاوضية بين روسيا وتركيا وإيران.
والناتو يدرك أن جيش إردوغان المسكوت عليه وعن تحركاته وقواته واسعة الانتشار، تتابع انتشارها فى 16 نقطة مراقبة ومواقع ومدن وتجمعات استراتيجية أخرى.(روز اليوسف)