عمّان ليست مدينة مزدحمة مرورياً
روز نصر
20-02-2020 08:02 PM
بالرغم من معاناتنا اليومية من الإزدحامات المرورية المتزايدة في شوارع العاصمة و صعوبة التنقل التي تواجهنا ك سكان أو زائرين لها، و بالرغم من تذمرنا المستمر من أزمة السير فيها إلا أنها و على عكس توقعاتنا.. لا تعد مدينةً مزدحمة مرورياً.
نعم عمّان ليست ضمن قائمة تصنيف المدن الأكثر ازدحاماً في العالم أو حتى على المستوى العربي و هو ما يعتبر أمراً ايجابياً فمثلاً احتلت موسكو الصدارة و تلتها مدينة اسطنبول على مؤشر تقرير شركة "انتريكس" العالمية التي تعتمد معايير دقيقة في قياس الإزدحامات المرورية في مختلف المدن العالمية منها متوسط السرعة و المدة التي يقضيها السائق في لقطع ميل واحد خلال أوقات الذروة.
أما على المستوى العربي فاحتلت مدينة دبي المرتبة الأولى و تلتها مدينة جدة ثم الرياض و الكويت بقائمة أكثر المدن ازدحاماً على مؤشر الازدحام المروري لشركة "توم توم" المتخصصة في إصدار الخرائط و البيانات الملاحية.
و لكن مع كل ذلك ما زلنا نواجه ازدحاماً مرورياً بشكل يومي و ازدحاماً في تساؤلاتنا أيضاً حول سبب هذه الأزمات، و هو الأمر الذي يحتاج الى إجابة واضحة و منطقية و هي التي لم تكن كذلك بالنسبة للبعض و أثارت سخرية رواد على مواقع التواصل الإجتماعي عندما أرجع أمين عمان الدكتور يوسف الشواربة السبب الى ازدياد أعداد السيارات الخاصة و غياب منظومة نقل عام متكاملة بالرغم من التحسينات التي طرأت عليها مؤخراً.
للوهلة الأولى يمكن ان نعتبر الإجابة سطحية و لا تفسر أسباب أزمة عمان التي بتنا نعاني منها بشكل يومي و بمختلف الأوقات و المناطق خصوصاً أننا نلقي اللوم الأكبر على الأعمال الإنشائية لمشروع "الباص السريع" و تحويلاته، لكن إذا أخذنا بعين الإعتبار ان كل مواطن من 6 يمتلك مركبة وفقاً لآخر احصائيات إدارة السير المركزية، و عدد سكان المملكة يبلغ نحو 10 ملايين نسمة منهم نحو 4 ملايين في العاصمة وحدها التي تعد من أكبر المدن و أكثرها نمواً من حيث عدد السكان، لربما يجب علينا الوقوف على دلالات هذه الأرقام و انعكاسها المباشر على أزمة السير.
"كلنا معنا سيارات" و لا نعتمد على استخدام المواصلات لعدم توفر شبكة لائقة أو متكاملة، هذه المعلومة التي سمعناها مراراً هي واحدة من أهم أسباب الإزدحامات فوفق احصائيات الأمانة يوجد في العاصمة و يدخلها يومياً نحو مليون و 300 ألف سيارة و هذا مؤشر كبير و مسبب رئيسي للأزمة اليومية و يمكن لنا تخيل دلالته عند أخذ مقارنة للعاصمة الأضخم في الوطن العربي كالقاهرة التي يبلغ عدد سكانها نحو 20 مليون نسمة مقابل نسبة امتلاك السيارات التي وصلت الى 2.5 مليون مركبة.
عزوف المواطنين عن استخدام وسائل النقل العام التي لا تلبي طموحاتهم لعدة أسباب منها عدم التزامها بالمواعيد و طول فترة الانتظار و تغيير الخطوط و غيرها كان الدافع الأساسي و الانعكاس الطبيعي لامتلاك سياراتهم الخاصة، و هو ما صرح به و أكد عليه الشواربة و أشارت اليه الأمانة مسبقاً الأمر الذي يستدعي العمل الجاد لتوفير شبكة كاملة و منظمة ترفع نسبة استخدامها و تقلل من استخدام المركبات الخاصة و هو ما عكفت على تنفيذه الأمانة منذ توليها قطاع النقل العام في عمان عام 2008 حيث وضعت عدة حلول لتحسين خدمات النقل العام من خلال المخطط الشمولي للنقل و الحركة لذات العام و التي تضمن من خلالها الأمانة رفع نسبة استخدام المواصلات من النسبة المتواضعة 14% الى نحو 40% للوصول الى أفضل المستويات العالمية.
هذه النسبة تتحقق في حال زادت الأمانة عدد باصات المدينة، و وصلنا الى نسبة مثالية عالمياً و هي توفر باص لكل 1000 مواطن، و أيضاً اذا تم تشغيل مشروع الباص سريع التردد BRT ليغطي مساحة 200 كم، و وفرت 3 خطوط مترو و قطار خفيف و بذلك تكون عملت على تنفيذ الرؤية الوادرة في المخطط و التي تعتبر منظومة نقل عالمية تلبي طموح المواطن و تقدم خدمات متنوعة و متناسبة مع احتياجاته.
الواضح جداً ان الأمانة تراهن على تحقيق جزء كبير من نجاح الخطة من خلال تشغيل الباص السريع لأنه و ضمن التوقعات سينقل بتردد منتظم 10 آلاف راكب في الاتجاه الواحد لكل ساعة، بدلا من نقل 2000 راكب بـ 1800 سيارة لنفس الاتجاه في الساعة، ويتوقع أن يخدم 200 ألف راكب يوميا اضافة لتوفيره مواقف و مواعيد ثابتة للنقل.
و ضمن الحاجة الملحة لتعزيز أسطول النقل العام الى جانب حافلات شركة "المتكاملة" قامت الأمانة منتصف العام الماضي باطلاق خدمة باص عمان و طرحت 135 حافلة تغطي 11 منطقة من أصل 22 سيتم تغطيتها لاحقاً من خلال شركة رؤية عمان المملوكة للأمانة، و بالرغم من توجيه انتقادات لهذه الخدمة و أن هذه الحافلات ستزيد من الأزمة و لن تحل مشكلة النقل إلا ان الأمانة أوضحت ان هذه الحافلات تمثل نموذجاً فعالاً للنقل حيث أنها منتظمة التردد أي تلتزم بمواعيد محددة و تنطلق دون الإعتماد على الملاءة، كما أنها صديقة للبيئة و توفر تسهيلات لذوي الإعاقة و كبار السن و هو الحق الأساسي لهم و الذي لم يكن متوفراً في وسائل النقل الأخرى، بالإضافة الى توفيره مميزات عدة كالتكييف و خدمة الانترنت المجاني و غيرها.
و بحسب الأمانة فان ما يقارب 3 مليون و نصف راكب استخدموا باص عمان منذ إطلاقه و هذا لربما يكون مؤشراً ايجابياً على توجه المستخدم لوسائل النقل العام بدلاً من مركبته الخاصة في حال توفر وسيلة نقل تلبي طموحه.
و لكن لا ننسى ان على الأمانة زيادة أعداد هذه الحافلات حتى تحقق الغاية المرجوة.
يذكر أن هناك أسباباً أخرى للازدحامات المرورية منها ما هو متعلق بالتنظيم و الممارسات الخاطئة للسائقين و مستخدمي الطريق، إضافة الى التوسع العمراني و السكاني و غيرها.