يرن الهاتف تسمع صوتاً عبر الأثير يتهدج يريد أن يقول لك شيئاً مفيداً، وحين تسترسل معه ينقل لك عبارة مهترئة لا تسمن ولا تغني من جوع، وتكتشف ان الناس مبهورون بنقل الكلام على عواهنه دون أدنى شعور بطبيعة السؤال أو روح المسؤولية؛ وكأنك بطل فيلم من غير خشبة، مسرح أعده الرجال الهوج في ظلام، هذا حال الناس في وسائل التواصل الاجتماعي الكل مشغول بهاتفه، ينقل ما يصله يصيب أو يخيب، وسواء أكان مفيداً أم مسيئاً، رحم الله ذاك الزمان حين كان الإنسان يحمر وجهه من الحياء، وحين كان الحياء نهج حياة الناس.
وتستمر طواحين الشد العكسي بأفكارها المهترئة، وأصحابها لا يعرفون قيمة تلك الطواحين وهي تحمل المياه وتدور بها كأنها لغة الحب تنشر أواصر الجمال في الطبيعة، وهؤلاء لم يذوقوا ترياق الحياة وكُنهها؛ لأنهم جبلوا في الحقد، وحين تقابلهم ترى وجوههم كالحة، لغتهم يائسة، ديدنهم الكذب والنفاق وسوء الظن، وحين يكتبون يدبجون مقالاتهم وأشعارهم في الوطنية والوطن وهي لم تتجاوز حناجرهم، ما أجمل القلب الأبيض، وما أحسن الوصل بين الناس، وما أبهى الصدق والفطرة السليمة وحسن الخلق، وما أحوجنا إلى الصدق والإخوة الصادقة، والكلام المريح?الذي يجمع الناس على حب الخير والوطن؛ أما هؤلاء التائهون في غيهم فبعد لم يدركوا أن دروس الحياة تعلم أن الحق أبلج، وأن الظلم مرتعه وخيم، وأن الصدق أقصر الطرق وأحسن وسائل البناء والارتقاء بالإنسان إلى أفضل مراتب الحياة.
ولنحارب الحقد والكراهية ونتذكر قوله تعالى: «ومِن الناسِ من يُعجِبك قَوْلهُ فِي الْحياة الدُنيا ويُشهد اللّه على ما في قلبه وهُو أَلدُ الخصامِ، وإِذا تَوَلَّى سَعَى في الأرض ليُفْسد فيها ويُهلك الحَرْث والنسْل واللّه لا يُحب الفساد». ولذلك علينا ألا نفرط في حقوقنا أكبرت أم صغرت؛ لان الإفراط فيها يعلم هؤلاء الاستغلال، والإفراط في التسامح يعلمهم التهاون في الحق، والإفراط في الطيبة يعلمك الانكسار، والإفراط في الاهتمام بالآخرين يعلمهم الإتكالية. وأعلم أن الاعتذار للعقلاء انتصار وللجهلاء هزيمة، وما أحوجنا لفعل ا?خير والإعراض عن الخصال السيئة واستبدالها بلغة الحب والخير والجمال.
وحين تقف أمام واقع المؤسسات والوزارات والجامعات تجدها في مخاض عسير، المسؤولون فيها يتلمسون رؤوسهم من حجم المعلومات والأفكار المتضاربة والأكاذيب وكثرة التأويل والتدوين، والجميع في أسواق الكلام، وآخر المنى أن نقرأ فكرة ناجزة وصورة بيضاء ناصعة، وتقول في قرارة نفسك لنترك كل الكلام غير المباح ونأخذ الكلام المريح الصحيح لبناء مؤسساتنا وجامعاتنا؛ لأن الواقع الحقيقي هو الإنجاز والإبداع والعمل بهمة وإخلاص مهما تكالبت قوى الشد العكسي؛ فبناء الإنسان السوي هو الهدف الأسمى في واقع اليوم، ولنعتبر من قول عنترة:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ** ولا ينال العلى من طبعه الغضب.
الرأي