البادية الأردنية والتقاط الرسالة الملكية ثقافياً
إبراهيم السواعير
19-02-2020 01:23 AM
للبادية الأردنيّة أولويّة تنمويّة في الشأن الثقافي تحديداً،.. على أحقيّة كلّ المدن الأردنية والألوية، وحتى الأقضية، وكلّ التقسيمات الإدارية، في أن تستفيد من مشروع وزارة الثقافة "مدن الثقافة الأردنية"،..غير أنّ للبادية ديناً قامت وزارة الثقافة هذا العام بسداد جزءٍ كبيرٍ منه، بتنشيطها ثقافياً، والتعامل معها تعاملها الاعتيادي مع كلّ مدن الثقافة ذات الحراك الثقافي الداعم في هذا المجال.
فحين أعلن وزير الثقافة الدكتور باسم الطويسي عن فوز لوائي: البادية الشماليّة الشرقية، والقويرة، بالإضافة إلى لواء الهاشميّة، بلقب مدينة الثقافة الأردنية 2020، لاقى هذا الإعلان احتراماً كبيراً، وثقةً عالية بالنظرة البعيدة للوزارة في توزيع مكتسبات التنمية الثقافية على كلّ المدن والقرى والبوادي، وألا تُحرم هذه المناطق المتلهفة للإبداع، التي خرّجت أسماءً مهمّةً في كلّ الميادين والحقول، ولا شكّ أنّ السلاح الثقافيّ يُعدّ هذه الأيّام من أهم الأسلحة التي وجّه إليها جلالة الملك عبدالله الثاني في أن تكون الثقافة زاداً يومياً ومتنفساً وطنياً وسلوكاً مجتمعيّاً، خصوصاً في ظلّ تأكيد جلالته المتواصل على هذا المطلب المهم، وزياراته الناجعة، والتي تصبّ في تحقيق هذا الهدف الحيويّ والمهم.
لماذا البادية؟!.. وهل نبقى ننتظر سنوات ربما تطول حتى يتشكّل عدد وافٍ في هذه المناطق كهيئات ثقافية؟!.. لماذا لا نبادر فنزرع البذرة، طالما أنّ التربة صالحة لأن تنبت هيئات وهيئات، ولماذا لا نوفّر التمويل الثقافي من خلال هذا المشروع الثقافي الذي هو ماء ضروري لاستمرار هذه الهيئات في عملها، وتحفيز غيرها لينشأ؛ حيث يتعرف أبناء البادية على آليات دعم المشاريع وتقديم مقترحات هذه المشاريع، وأن يظلّوا يدورون في فلك الوطن، بدلاً من أن يلتفتوا إلى أجندات خارجيّة توفّر التمويل بسخاء وهي تتغطى بغطاء مخيف وخبيث، فتنجذب إليها هذه الهيئات أو الناشطون في ظلّ غياب الاحتضان الرسمي للهفة هؤلاء وفرحتهم بالعمل الثقافي.
في ما مضى كانت البادية تجيء في سياق مدينة ثقافية شموليّة، كأن تكون البادية الشمالية الشرقية جزءاً من احتفالية المفرق مدينة للثقافة الأردنية، أو أن تكون القويرة جزءاً من كون العقبة مدينة للثقافة الأردنية، أو أن تشارك الهاشميّة كحصّة من حصص الزرقاء مدينة للثقافة الأردنيّة،... أمّا اليوم، فإنّ ميزانيّةً مرصودة لكلّ منطقة من هذه المناطق لأن تكون لها كامل الحصّة أو الأولويّة، سواء أزادت هذه الميزانية أم قلّت أم بقيت عند مستواها، بحسب ما هو متوفر مالياً لدى الوزارة.
باديتان هما بأمس الحاجة للالتفات إلى الرغبة الثقافية لديهما، وجمهور صامت فيهما ويشارك عربيّاً بكفاءة عالية، وربّما يقاسي كثيراً في سبيل إثبات الذّات، ويحمّل العاصمة دائماً تبعات ابتعاده عن المشاركة المأمولة في مركز الفعل الثقافي، وحتى إن شارك فإنّه يشارك على استحياء وخوف، وربّما لا يقدّم التبرير الكافي لمشروعه الذي يحمله في ظلّ احتراف أسماء معيّنة لدينا في هذا الشأن، ولذلك فإنّ إفراد هذه المساحة وعلى مدى عام كامل يكثر فيه الخير الإبداعي في الأدب والفن والفكر والمفردات المتفرعة عن كلّ هذا هو تفكير صائب وتطبيق حيوي، خصوصاً وأنّ هذه المناطق ربما تعاني من خفوت في حقول إبداعيّة معيّنة، كالمسرح مثلاً أو الموسيقى، في ظلّ فائض أو كثرة كاثرة أو طاقة هائلة في حقول بعينها، كالشعر مثلاً، ولذلك فإنّ خلق توازن مدروس تقوم عليه وزارة الثقافة وأعلن عنه وزير الثقافة الدكتور باسم الطويسي في أكثر من لقاء، خلال سلسلة لقاءاته الحواريّة المثمرة مع مثقفين وكتاب وفنانين في العاصمة وفي المحافظات، يعطينا أملاً بقوّة المكاشفة وتبادل الرأي، خصوصاً ونحن نترقب عودة مهرجان الأغنية الأردنية واستحداث وحدة موسيقى، وربما مديرية، في وزارة الثقافة، إضافةً لاستحداثات فنيّة أعلن عنها الوزير، لا بدّ وأن تقطف من ثمارها المحافظات الأردنية، وبالتأكيد فإنّ للبادية نصيباً من هذه الاستحقاقات، خصوصاً وهي تحتفل، والحماسة تملؤها، بحمل لقب مدن أو ألوية الثقافة الأردنية هذا العام.
البادية الأردنيّة هي منفذ خطير ومهم جغرافيّاً، وتشكل بمجموعها تخوماً أو مناطق حدودية أو ثغوراً خطيرة، وحين التقطت وزارة الثقافة ذلك من خطابات جلالة الملك ووعت الرسالة الذكيّة في الاهتمام بإنسان البادية والمناطق النائية نسبياً عن العاصمة، فإنّها أحسنت صنعاً بالفعل وهي تضع الإطار العريض الذي يشتمل على خطط ثقافية في ضخّ أنشطة وتمكين مثقفين وتوعية مجتمع مُحب للوطن بجدوى الفعل الثقافي، لأنّ الثقافة على المستويين النظري والتطبيقي هي الحصن الأخير للوطن والأمّة، وكم من اختراقات نفذت إليها دول معادية تجاه دول أخرى من البعد الثقافي الذي يعدّه كثيرون ترفاً أو هو غير مهم، بل إنّ الخطورة تكمن في النظر إلى الثقافة بمقاييس العيب أو التحريم، في وقت يتحدث فيه العالم عن الاقتصاديات الكبيرة للثقافة واستثماراتها أو عوائدها الهائلة في هذا الحقل أو ذاك.
وإذ نسير في عام 2020 الذي فيه يُغاث الناس بغلال الثقافة في باديتنا الجميلة المحبّة والمكتنزة بالفتوحات التاريخية والأوابد الشاهدة على الرسوخ والعمق، فإننا بالتأكيد سنشهد إصراراً في العام الذي يليه على أن تبقى الأجندة الثقافية واثقةً وحاضرةً لدى أهلنا الطيبين الذين يحملون للوطن ولقيادته المظفرة كلّ الحب والولاء والانسجام النفسي، لتبقى ثغورنا مصدّات قويّة أمام كلّ الرياح العاتية والأنواء الخبيثة التي كثيراً ما تلبس لبوساً ثقافيّاً للاختراق أو النفاذ إلى ذهنية أبنائنا والبسطاء من الناس، وهو ما يستلزم البدء بالاشتغال الجاد في هذه المناطق، وقد بدأت وزارة الثقافة بالتقاط الرسالة ودخلت حيّز التطبيق من خلال الانحياز التّام والمعرفة الحقيقيّة بالحالة الثقافية التي يتعطّش لها قطاع مهم وحيوي من مجتمعنا الأردني هناك.