البتراء عاصمة الانباط الاردنيين تحت الضوء .. لماذا الان؟
أحمد عبد الباسط الرجوب
18-02-2020 08:54 AM
عادت بنا الاخبار والاحداث من جديد حول البتراء تاريخ الأردن العميق والضارب في جذور التاريخ ومؤشرا على تقدم حضارة الانباط الأردنيين في غابر التاريخ حينما دالت مملكة الأنباط (النبط) (169 ق.م - 106 م) وهي مملكة عربية قديمة قامت في صحراء النقب وسيناء والأردن وأجزاء من شمال شبه الجزيرة العربية. كانت عاصمتهم مدينة البتراء في الأردن وكانت محطة إستراتيجية واقعة على طريق البخور إذ أنها تقع على مفترق طرق القوافل القادمة من اليمن وتربطها بالشام ومصر والبحر الأبيض المتوسط.
(1) لماذا الان؟
رفض مجلس النواب الأردني بأغلبية أعضائه، في جلسة له اليوم الأحد 16 فبراير / شباط 2020، تعديلات لجنة السياحة والآثار النيابية على مشروع القانون المعدل لـ"قانون سلطة إقليم البتراء التنموي السياحي" تخوفا من تملك الأجانب، خاصة الإسرائيليين منهم، لأراض وعقارات في الإقليم، حيث تقرر إعادة مشروع القانون المعدل إلى اللجنة نفسها من أجل دراسته وإجراء التعديلات المناسبة عليه، ومنع تسلل الملاك الأجانب إلى المدينة الأثرية، وبموجب التعديلات المقترحة والتي رفضها المجلس، فإنه يسمح للأشخاص المعنويين بتملك الأموال غير المنقولة الواقعة في منطقة الإقليم، شريطة أن تكون نسبة تملك الأردنيين فيها أكثر من 51%.
(2) البتراء عربية اردنية
نوخت راحلتي بعد اجتياز الخزنة، حيث يبدأ السيق في صحن البتراء وكنت زائر البتراء الواحد بعد المليون، وهنا لا استطيع الا المرور على خطط والاعيب اخطر عدو متربص بأمتنا غربي النهر والذي بدأ لعابه يسيل حول البتراء متذرع بأوصاف او اسفار تلمودية حول يهودية البتراء وهذا ما قامت عليه بعض الجهات لأجل تصوير فيلم "جابر" الذي كان سيتمّ تصويره في المدينة الوردية، كون المضمون الحقيقي الذي يحمله هو الإيحاء بما يُسمَّى حق اليهود التاريخي في مدينة البتراء بناء على ادّعاءات أثرية، ومع تفجّر قصّة الفيلم تفجَّرت أيضاً قصة ما سُمّي بـ "مقام هارون"، والتي اثيرت في الإعلام الغربي قصة إغلاق السلطات الأردنية لهذا المقام المزعوم في وجه مَن اسموهم "الحجّاج اليهود"، وفي هذا السياق فقد اكد الكثير من الباحثين من علماء آثار المدرسة التوراتية مثل "بيرثن ماكدونالد"، أنّ المقام الموجود في البتراء لا علاقة له بالنبيّ هارون عليه السلام، فمنذ القرن التاسع عشر والعلماء يبحثون عن الجبل الذي دُفن فيه النبيّ هارون، أو مات فيه، وبحسب ما توصّلوا له، فمكان موته ودفنه أقرب إلى سيناء، وفي منطقة تُدعى "قادش".
ونتابع مع فلم جابر "المغلوط" في روايته حيث يستخدم آيات التوراة للحديث عن دخول بني إسرائيل من الأردن إلى فلسطين، ومن خلال متابعتنا لمنشورات وابحاث علماء الاثار والباحثين في الجامعات الأردنية تبين بأنه لا يوجد أي دليل مادي، أو أثري، أو تاريخي على ذلك، وهنالك فكرة خطيرة بالعثور مثلا على قطعة أثرية تخصّ اليهود والعمل على استعادتها، (فقد امتهنوا سرقتهم آثار الشرق وإعادة صوغها في التوراة والمُدوِّنات اليهودية)،... "اليهود لا علاقة لهم البتَّة بأيّ أثرٍ عُمراني حضاري، ناهيك بتكفيرهم للنحت أصلاً" وفي ذات السياق أحيانا ما يقوم به زوار البتراء من الصهاينة بإلقاء بعض المخطوطات التي يجلبونها معهم عند زيارتهم للبتراء حتى يعتمدوا عليها في تزويرهم للحقائق كما هي عادتهم التي امتهنوها في فلسطين التاريخية (هذا ما صرحت به وزيرة السياحة والاثار السابقة)، فلماذا التزوير ولا يوجد في الأردن ما يربطها بإسرائيل، ومثل هذه المغالطات تُعطي اليهود حقاً تاريخيّاً باستعادة تراثهم من الأردن، فلم تظهر مع أعمال التنقيبات أيّة كتابات باللغة العبرية، وفي ذات السياق ومن الأخطاء والمغالطات التي يرغب الفيلم بتجذيرها، أنّ المسيحية نشأت في الأردن، وهو أمر غير صحيح، لأنها نشأت في فلسطين وتعميد المسيح كان على الجانب الشرقي في نهر الأردن، ولذلك يجب أن نكون حذرين جداً لأنهم يدّعون أنّ المسيحية نشأت في الأردن لأنها استمرار للوجود اليهودي قديماً.
(3) المزاعم التوراتية
وحتى لا اتوقف عند افادة الباحثين وعلماء الاثار الاردنيين فقد رجعت الى العام 1865 عندما تأسس صندوق استكشاف فلسطين (Palestine Exploration Fund) والمعروفة اختصارًا بالرموز PEF وهي جمعية بريطانية مقرها لندن أسست سنة 1865 م تحت رعاية الملكة فكتوريا ملكة إنكلترا. وهي جمعية علمية تهتم بالبحث في الآثار والطوبوغرافيا والجغرافية الطبيعية والتاريخ الطبيعي لفلسطين، غير أنها لعبت دورا مهمًا في مجال جمع المعلومات الاستخباراتية العسكرية التي كان تحتاجها بريطانيا لمد نفوذها الاستعماري في المنطقة. وتعود بدايات هذا الصندوق حرفياً إلى مجتمع أوجده قنصل بريطانيا جيمس فين وزوجته اليزابيث آن فين. في 22 يونيو / حزيران عام 1865، حيث قامت مجموعة من المجموعات التوراتية والقسيسين بتمويل الصندوق بدءاً بـــــ 300 باوند.
كان الهدف من تأسيس هذا الصندوق PEF لأجل البحث في آثار الأرض المُقدّسة (طوبوغرافية وجيولوجية وجغرافية) وعادات سكانها وتقاليدهم، لأجل التحقق وايضاح ما ورد في التوراة على حد زعمهم ،لكن ذلك لم يتحقّق لهم ولم يتيّسر الحصول عليه، بل إن الفخاريات التي اكتشفوها متأخّرة بما لا يقل عن مئة سنة عن رواية التوراة ، وهنا انصح كل من يريد معرفة المزيد في البحث عن دراسات الاثار والمزاعم التوراتية " الموضوعة" في وادي الأردن ووادي عربة وشرق الأردن والنقب والتي اثبتت بالمطلق انه لا يوجد أي حق لليهود في فلسطين والاردن وهو ما يندرج على منطقة البتراء امتداداً لصحراء النقب...
الروايات الصهيونية في فلسطين وحتى الاردن تُهيمن عليها روايات توراتية لا سَنَدَ علمياً لها على الإطلاق، ولكنها مُهيمنة. بحيث ان جميع المواقع والتي قاموا على التنقيب فيها من خلال هذه البعثات الأجنبية والتي كشفت أعمال التنقيب عن دلائل تكذب الرواية التوراتية، تذرع المُنقّبون بانتفاء الغاية من نبشها، بل وطمسوها أو استمروا في ترديد الخُرافة غير عابئين بالحقيقة... بهذه الأسطورة شحن يهود العالم وضمن انحياز العالم (الصهيونية - المسيحية) في الغرب، وضاعت فلسطين وبدون اغفالنا العناصر الحقيقية الكامِنة لإنشاء دولة الكيان الصهيوني ودعمها في فلسطين، بما يناقض مصالح شعوب المنطقة ونهوضها...
يميل معظم عُلماء التاريخ في الحفريات والأنثروبولوجيا إلى أن اليهود القُدامى في الشرق هم قبائل عربية مُتهوِّدة، رعوية، جوَّابة، احترفت الربا ومهنة المُرتزقة بسبب هذه الوضعية الاجتماعية بالذات، ولم تعرف الاستقرار والزراعة وبناء المدن والقِلاع الحجرية، وهو الأمر الذي ظهر في ربط الروايات اليهودية بين (تاريخهم المزعوم) وتجوالهم وهروبهم الدائم، وبين الصراع مع الحضارات الحجرية (حضارة الأهرامات والقِلاع والأبراج ...الخ).فمصر الفرعونية (الحجرية) ملعونة وبابل الحجرية (ملعونة) وأقوام مؤاب وعمون الذين شذّبوا الحجارة ونحتوها أقوام ملعونة وهكذا..
(4) ماذا بعد؟
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: لماذا يتمّ تجاوز كل ذلك وتُثار مسألة البتراء على يد الصهاينة الآن، بعد أن حُسِمَت وكما بينا في صدر هذا المقال على يد العلماء البريطانيين والإيطاليين منذ أكثر من نصف قرن؟ وما علاقة ذلك بتهويد القدس ومطالبة الأردن بالوصاية على الأماكن المُقدّسة فيها؟ بصفقة القرن بشكل عام؟ بالوطن البديل الذي رفع فزّاعة بوجه الأردنيين؟ متى سينتبه الأردنيون والسوريون واللبنانيون والعراقيون والمصريون والسعوديون إلى خطورة التغاضي عن الادّعاءات التوراتية، خوفاً أو إهمالاً أو جهلاً؟
صفوة الكلام ... نشد على ايدي نوابنا الغيورين على مصلحة بلادنا بعدم تمرير اي قانون يتيح للعدو الصهيوني التسلل الى البتراء بحجة الاستثمار لأننا في مواجهة عدو "خبيث" يفترض ان ننتبه لكل حركة يقوم بها ، ليس فقط في المجال السياسي الذي يتعلق بالقضية الفلسطينية ، وانما في المجالات الدينية والثقافية والسياحية ..الخ التي يتسلل منها لترسيخ "مزاعمه" واكاذيبه ، وتنفيذ مخططاته ، فنحن بالنسبة اليه "هدف" قائم وقادم معا واطماعه لدينا ليس لها حدود ... ليست مشاريع تصفية القضية الفلسطينية الأخيرة عبر الأردن والشرق العربي، ومنها صفقة القرن بعيدة عن الإستراتيجية الصهيونية وخطابها العُنصري لذا لن تكون أزمة البتراء الأولى ولا الأخيرة في الأردن. بمعنى آخر لن تكون الادّعاءات التوراتية في المواقع الأردنية بشكلٍ خاص (وغداً العراقية والسورية واللبنانية والمصرية) إلا سند حق يتحوّل من وَهْمٍ الى واقعٍ كما حصل في فلسطين.
باحث ومخطط استراتيجي
arajoub21@yahoo.com