"الهوية" حين تكون معطىً للتقدم أو التخلف!
د. محمد أبو رمان
02-01-2010 05:54 AM
في مقاله الأخير" العنكبوتية وتآكل المجتمع" (الغد، صفحة دين ودنيا) يمنحنا المهندس الكاتب عكرمة غرايبة إشراقاً جديداً من تجلياته الفكرية الإسلامية. إذ يقف أمام آيات الفساد، وعند مفهوم "بيت العنكبوت"، وما فيه من تناقضات ذاتية وموضوعية، ثم يقدم سرّ وصف القرآن هذه البنية بالوهن والهشاشة "وإنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت..".
يمكن استنطاق قضايا رائعة عديدة من المقال، من أبرزها الحديث غير المباشر عن مفهوم "هوية المجتمع"، هل هو "مجتمع عنكبوتي"، هش متناقض ضعيف ملتوٍ، أم مجتمع متماسك متصالح مع نفسه، قادر على الدفاع عن مصالحه!
إسقاط المقال على الواقع السياسي العربي اليوم، يصطدم باستنزاف مصطلح الهوية في استخدام السياسيين والمثقفين، وتوظيفه، غالباً، في تبرير الردة الاجتماعية والتخلف السياسي والثقافي!
إذ تبرز الهوية، في أحاديثنا السياسية والثقافية العربية، اليوم، في سياق تفكيك المجتمعات وتمزيقها أو التفاخر بالانتماءات الاجتماعية والدينية والعرقية، طائفياً (سني، شيعي، علوي..)، دينياً (مسلم، مسيحي..)، عرقياً (كردي، عربي، بربري..)، وفئوياً (داخل المجتمعات ذاتها). حتى الحركات الإسلامية، في أغلبها، تستخدم الهوية باستحضار التاريخ وتمجيده ومحاولة استعادته لا في البحث عن مفاتيح المستقبل وشروطه واستحقاقاته.
ثمة فرق كبير في أن تكون هوية الفرد والمجتمع والدولة مدماكاً لتحقيق التقدم والنهوض، ومعياراً للإنجاز الذاتي والمجتمعي والحضاري، أو أن تكون معولاً لهدم المجتمع وتقسيمه وتجزئته وتفتيته، أو معطىً "للدوران حول الذات" بينما عجلة الوقت والمستقبل تمر سريعاً، ولا تنتظر التائهين!
ذلك الفرق الجوهري، تحديداً، يدفعني إلى الإشارة الخاطفة لمقاربتين في غاية الأهمية، تمثلان "مفتاحاً" ذهبياً لمواجهة جزء كبير من أزماتنا الداخلية، وتحديداً سؤال الهوية وأزمة الاندماج الاجتماعي والسياسي وبناء الدولة المتقدمة.
المقاربة الأولى للمفكر اللبناني الفضل شلق، حين تحدث عن الدولة السياسية الاقتصادية في دول آسيا، وتحديداً التجربة الإسلامية الماليزية، إذ تعاملت مع الهوية في سياق الإنجاز الاقتصادي والتنموي. والثانية للأميركي نصر ولي في كتابه الأخير حول القوى الإسلامية الصاعدة، وتحديداً حول الطبقة الوسطى التركية الجديدة، التي أعادت صوغ المشهد السياسي وصناعة الهوية الثقافية الإسلامية المنفتحة للبلاد.
أردنياً، ولأهمية فك الاشتباك، فإنّ هنالك ضرورة للتمييز بين معطى الهوية المتعلق باستحقاقات إقليمية وبشروط الحل النهائي مع إسرائيل، وأهمية تحجيم انعكاساته الداخلية إلى حلقة صغيرة جداً ومحدودة، ترتبط بذلك وظيفياً، وبين تطوير المجتمع وتعزيز قوته الذاتية بإعادة تحوير الحديث عن الهوية ليأخذ بعداً مستقبلياً في بناء الاقتصاد والمجتمع والدولة على أسس حديثة متقدمة، لا في سياق اللعب على التناقضات الاجتماعية، ولا في ضرب مشروع الجماعة الوطنية.
الهوية سلاح مزدوج، إما أن يكون بوتقة لصهر معطى التاريخ في عجلة التقدم وإما علامة لردة المجتمع وتخلفه وتفكيكه!
m.aburumman@alghad.jo
الغد