هل نحتاج إلى تشريع خاص بالصحة النفسية
د. أشرف قوقزة
16-02-2020 02:16 PM
علاوة على المعاناة الواضحة التي يعانيها المصابون بالاضطرابات النفسية، هنالك عبء كبير ومخفي ناتج عن الوصمة الاجتماعية التـي ألصقت بالمصابين بالاضطرابات النفسية. وقد تجسدت هذه الوصمة بالعديد من المواقف النمطية المغلوطة، أو الخوف، أو الحرج، أو الغضب، أو الرفض والنبذ، أو التجاهل والتحاشي، ولذلك فإن انتهاكات وإنكار حقوق الذين يعانون من الاضطرابات النفسية، أمور شائعة الحدوث في مختلف أرجاء العالم ومنها مجتمعنا الاردني، سواء داخل المؤسسات أو في المجتمع ككل، كما أصبح الانتهاك الجسدي والجنسي والنفسي معاناة يومية للكثيرين من المصابين بالاضطرابات النفسية. علاوة على أنهم يعانون حرماناً جائراً من فرص العمل، وتمييزاً ظالماً يمنعهم من الاستفادة من الخدمات، ومعظم هذه التجاوزات والمخالفات عادة لا يتم التبليغ عنها.
والواقع أن هنالك العديد من الوسائل والطرق لتحسين حياة المصابين بالاضطرابات النفسية، وتشكل السياسات والخطط والبرامج التـي تؤدي إلى خدمات أفضل احدى الطرق المهمة لذلك. الا ان تنفيذ مثل هذه السياسات والخطط يحتاج إلى تشريعات تضع هذه السياسات والخطط في سياق المعايير المقبولة دولياً على صعيد الممارسات الناجحة، ويمكن للتشريعات بحد ذاتها أن تكون وسيلة لتأمين مزيد من الموارد للصحة النفسية، وتحسين حقوق وظروف ومعايير الصحة النفسية في أي بلد، وتشير الدراسات أن حوالي 75 %من بلدان العالم لديها تشريعات خاصة بالصحة النفسية، وأن أكثر من 51 % من هذه القوانين تم وضعها بعد عام 1990، في حين أن تشريعات الصحة النفسية في 15% منها تعود إلى ما قبل ستينات القرن الماضي، ولذا فإن التشريعات في العديد من الدول أصبحت قديمة عفى عليها الزمن، وفي العديد من الحالات أصبحت تسلب حقوق المصابين بالاضطرابات النفسية بدلاً من أن تصونه.
لذا نجد أن مجال الصحة النفسية في الأردن بحاجة لقانون خاص لتنظيمه نظراً لخصوصيته وعدم شمول قانون الصحة العامة رقم 16 لسنة 1960 والمواد المتناثرة هنا وهناك في القوانين الأخرى(قانون العقوبات، قانون المخدرات والمؤثرات العقلية، قانون حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة، قانون الحماية من العنف الاسري) وغيرها من التشريعات، مما يتم ممارسته تحت إطار الصحة النفسية وخدماتها، هذا بالإضافة إلى أن ممارسي الصحة النفسية يأتون من مواقع مختلفة، لا ينظم عملهم جميعاً قانون واحد، فبعضهم أطباء نفسيون والآخرون من تخصصات أخرى كعلم النفس والخدمة الاجتماعية وغيرها، كذلك فإن الأحكام القانونية التـي تحرم التمييز ضد المصابين بالاضطرابات النفسية، قد تحمل راسمي السياسات على تطوير سياسات جديدة للحماية ضد التفرقة والتمييز، ويمكن للتشريع كذلك أن يعين الحد الأدنـى من المؤهلات والمهارات اللازمة لاعتماد مهنيي الصحة النفسية، والحد الأدنـى من معايير التوظيف المطلوبة لاعتماد مرافق الصحة النفسية. الأمر الذي يفرض الحاجة الفعلية لقانون خاص للصحة النفسية، ليكون حالنا حال الكثير من الدول المتقدمة في هذا المجال.
وخلاصة القول إن السياسة والتشريع يعتبران نهجين متكاملين يكمل أحدهما الآخر على صعيد تحسين الخدمات والرعاية الصحية النفسية؛ ولكن لن تحظى حتـى أفضل السياسات والتشريعات الصحية بأي أهمية تذكر في غياب إرادة سياسية قوية، وموارد كافية، ومؤسسات تعمل بالأسلوب الملائم، وخدمات دعم مجتمعية، وموظفين مدربين تدريباً جيداً.