أطلقت الحكومة منذ أيام قليلة 68 فرصة استثمارية أمام المهتمين تصل قيمة الاستثمار لتنفيذها 4.5 مليار دولار، وهذه الفرص تكون على شكل دراسات جدوى مبدئية لمشاريع مجدية من الناحية الاقتصادية، وبالعادة ما تُبنى على الميز التنافسية والنسبية التي تتمتع بها المملكة ومختلف المحافظات.
هذا الإطلاق ليس الأول من نوعه بل يأتي استكمالًا لمشاريع ومبادرات تم إطلاقها سابقًا لتوفير أفكار استثمارية للمهتمين، ففي العام 2017 أطلقت الحكومة ومن خلال هيئة الاستثمار 120 دراسة جدوى أولية لمشاريع وفرص استثمارية لكافة المحافظات كي يتم ترويجها على رجال الأعمال والمستثمرين بتكلفة استثمارية متوقعة تصل إلى 302 مليون دينار موزعة على مختلف القطاعات الاقتصادية.
أيضًا في العام 2007 وقبل ما يزيد عن عقد من الزمان عملت مؤسسة تشجيع الاستثمار في حينه على تحديد 150 فرصة استثمارية وأُنجز لنصفها (75 مشروعًا) دراسات جدوى مبدئية وبتكلفة استثمارية متوقعة لتنفيذ هذه الفرص تتجاوز 4 مليارات دينار، وعلى صعيد متصل أطلقت وزارة التخطيط والتعاون الدولي البرامج التنموية للمحافظات للأعوام 2017-2019 والتي تشير إلى المشاريع العامة التي تنفذها أو تحتاجها المحافظات.
كما أشارت هذه البرامج التنموية ضمن طيّاتها إلى ضرورة تشكيل فريق متابعة لتنفيذ مخرجات الخارطة الاستثمارية للمحافظات برئاسة هيئة الاستثمار وعضوية وزارة التخطيط والتعاون الدولي والوزارات القطاعية المعنية ومؤسسات التمويل الميكروي وصندوق تنمية المحافظات وغرف صناعة وتجارة الأردن، إضافة إلى جمعية رجال الأعمال الأردنية ولوضع إطار متكامل لآليات تُسهم في تحقيق هذه المشاريع على أرض الواقع.
التساؤل اليوم هو كم من هذه المشاريع التي تم إطلاقها لفرص استثمارية على المستوى الوطني أو على مستوى المحافظات على مدار السنوات الماضية قد تحققت على أرض الواقع؟، وهل تم تقييم التجارب السابقة والعمل على وضع آليات لتطويرها كي تُساهم بشكل أفضل في زيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية، ولتصبح هذه الأفكار مشاريع ملموسة تحفز النمو الاقتصادي وتعمل على تشغيل الأردنيين؟.
بعض وجهات النظر الاقتصادية التي ترتبط بالفلسفة النيوليبرالية تحديدًا تشير إلى أن دور القطاع العام هو تنظيم السوق، ووضع التشريعات المناسبة، والترويج للميز التنافسية التي تتمتّع بها الدولة والقطاع الخاص، أما المستثمرون فهم أصحاب المعرفة والاختصاص في الاستثمار وهم أقدر على تحديد الفرص الاستثمارية المناسبة.
إلا أن هناك نماذج اقتصادية مغايرة حتى ضمن المدرسة الليبرالية تبنّت فيه الحكومات النموذج الاقتصادي الرأسمالي، ولكن برعاية حكومية، كالنموذج الآسيوي الشرقي "East Asian Model" والذي يقوم على فكرة أن تستثمر وترعى الحكومة قطاعات اقتصادية محددة لتحفيز النمو، وللمساهمة في تطور الأعمال، وخلق فرص العمل.
لا شك أن فكرة دراسات الجدوى المبدئية لأفكار مشاريع تبني على الميز التنافسية في الدولة تُشكّل إحدى الوسائل النوعية لجذب اهتمام المستثمرين خصوصًا في ضوء المنافسة الدولية على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، ووجود هيئات وجهات متخصصة في معظم دول العالم تعمل على هذه الغاية، حيث أشارت الرابطة العالمية لوكالات تشجيع الاستثمار"The World Association of Investment Promotion Agencies - WAIPA" إلى أنها تضم ضمن أعضائها أكثر من 170 مؤسسة متخصصة في تشجيع وترويج الاستثمار تقدم خدماتها في أكثر من 130 دولة.
من الأمور الضرورية في المرحلة الحالية هي البناء على كافة الجهود خصوصًا التي أنجزتها الحكومة حديثًا لتعظيم الاستفادة من هذه الفرص الاستثمارية، فمع عمل الحكومة على تحديث قانون الشراكة ما بين القطاع العام والخاص، وتخصيص مبالغ في موازنة الدولة لهذه الغاية لموازنة العام 2020، وإطلاق مشروع رحلة المستثمر، والاستمرار في نهج الحكومة الرامي للتوسع في أتمتة الإجراءات وتبسيط الخدمات، وغيرها من الممكنات، وعلى التوازي قامت مؤسسات وطنية بمبادرات نوعية من أحدثها تأسيس شركة استثمارية بين صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي وجمعية البنوك الأردنية تهدف للاستثمار في مشاريع البنى التحتية والمشاريع التنموية الكبرى.
توفر هذه الخطوات في تكامليتها جزءًا مهمًا من الآليات المناسبة لبلورة الأفكار والفرص الاستثمارية لتصبح حقيقة ملموسة على أرض الواقع للتجاوب مع التحديات القائمة، إذ إن الاستثمارات الأجنبية المباشرة شهدت تراجعًا ملحوظًا في العام 2018 مقارنة بالعام 2017، وكانت وتيرة الانخفاض في العام 2018 مرتفعة مقارنة مع إجمالي الانخفاض الحاصل في الاقتصادات المتقدمة، وعلى عكس إجمالي الدول النامية، وأيضًا على عكس دول غرب آسيا التي حققت بالمجموع نموًا بلغ 3%، فحجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة فيها وصل إلى 29 مليار دولار استطاع الأردن استقطاب ما يقترب من 1 مليار دولار منها.