الجامعــة الاردنية الوطن وعقل الدولة
د. محمد القضاة
16-02-2020 10:04 AM
حين كتبت عنها اول مرة كان ذلك قبل اربعة عقود كانت تزهو بشبابها، واستمرت الرحلة معها في كل محطاتها، وفي كل مرة تقفز امامي صورها وناسها وطلبتها وأسرتها واستشعر بحالة مختلفة، وأجد نفسي كمن يمشي على وتر مشدود حين ارى وجوهًا تغيرت وأقلاما تنهشها وبعضًا من رجال يسرقون جهد من أحبوها، وأنا بين ذلك الوتر وأمانة الكلمة أقول لهؤلاء الذين يتمترسون في مكاتبهم وخلف أقلامهم ويوزعون الأدوار ويقلبون الحق ويمنعونه عن الاوفياء والمخلصين: ستبقى الاردنية الوطن وعقل الدولة وفكرها النبيل، والبيت الدافئ ونبض القلب، لا تتوقف عن دورها مهما تعاقب الزمن وتعددت المواقف والمصاعب، ولا ترضخ لعرض أو طلب، تستجيب للتحديات والمحن، وتبقى طودا شامخا عبر الزمن، نعيش إيقاعاتها وحضورها وغيابها، تحافظ على أكاديميتها وأعرافها، ولا تقبل لأحد ان يزاود عليها مهما تباعدت عقارب الساعة او اقتربت، وهي ليست حروفا ندبّجها وندعي فيها حبها، والذين أحبوها؛ أحبوها بصمتهم وسمتهم، أحبوها كأولادهم دون منِةٍ، وأخلصوا لها حتى غدت في العاليات خافقة على مر الزمن، وغدا زمانها أسطورة على كل لسان.
وحين تقرأ عن الجامعات ومآلاتها تتعجب ويتملكك شعور غريب؛ خاصة حين تمشي في الجامعة وتقفز امامك ايامك فيها، حين كانت تقول صمتك وتنبض في عروقك، واليوم هي موطن الروح ومركز العقل، وموئل الحب والحياة، تُفشي الذي أبديه، لأنها أول المشوار، رضعت فيها المعرفة والبيان، وكنت أجوع لحروفها وكلماتها، عرفت فيها أبواب الحياة، علمتني كيف أنقش حروفي وكيف يتعلّم الرجال، وأمدتني بنورها وحضارتها. وتتعالى في داخلك الذكريات والاسئلة وتتواتر وكأنها تقول: ماذا يجري، ولمصلحة من الاساءة لها حين تكون هي الوطن؟ لماذا كل هذا الحقد عليها؟ وتقول في نفسك لماذا تتفاقم ظواهر الإساءة لمؤسساتنا في المجتمع وتتسع وتنتشر أخبارها مثل النار في الهشيم، وحين تقرأ تتعجب من تفاهة الاسباب وتهافتها، وتقول في نفسك لماذا كل هذا التحشيد وكل هذه الأخبار الملفقة غير المبررة ! ولماذا كل هذه الإساءات والكتابات والتعليقات في المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي؟ وحين تتأمل الصورة من الداخل وأنت تعيش الحدث بنفسك تدرك حجم الحقد الذي يقارفه بعض المغرضين من كُتّاب الظلام الذين لا هدف لهم غير الهدم والنقد على كل المستويات وفي كل المناسبات، وكأنهم في اسواق النخاسة والمزايدات، لا هم لهم غير توجيه التهم لهذا وذاك، والهدف البعيد خدمة طرف لحساب اخر !
ومن يتابع الهجمة الشرسة التي تتعرض لها المؤسسات الوطنية الناجحة يجدها لا تتجاوز رغبة محبي الفوضى الذين يسعدون بأوجاع الناس ولا يحبون لإحدٍ النجاح أو التغيير، هؤلاء جُبِلوا على الانانية والحقد والتلذذ بأوجاع الناس، والجامعات ليست ساحات حرب لتصفية حسابات اي طرف لأخر، والجميع يعرفون ان الحق ابلج، والجامعة عبر مسيرتها تسير في نهجها لا تتجاوز أعرافها وتعمل بسمتها وتقاليدها، أما من جُبل على الكراهية وشربها حد النخاع ممن شربوا من ضرعها اين كانوا حين غابت الأعراف وقفز على رؤوسهم من قفز، وحين اختلط الحابل بالنابل، وحين استأسد عليهم من استأسد، لا اريد ان افتح المواجع؛ لان ما مضى مضى ولا يحق لهؤلاء ان يلفقوا ويكتبوا وينشروا الاكاذيب المجتزأة؛ وكأن اصحاب الحقوق لا حقوق لهم، وكأن من يتحدثون عنهم ليسوا منهم وهم يعرفونهم من عقود،لذلك أتمنى على الجميع توخي الدقة والمسؤولية في الكتابة ونقل الأخبار لان حبل الأكاذيب قصيرة. ونحن نعرف ان المجتمع يغص بظواهر عجيبة غريبة حيث ينتشر فيه الكذب بشكل غير مسبوق والكذب المضادّ، والنفاق، والادّعاء، والنرجسيّة، وحبّ الذات، والخداع، والظلم، والعلاقات المزيّفة بين الناس، والعنف ضدّ كل شيء، وكل ذلك يفضي إلى أجواء مشحونة تؤدّي إلى عنف تتسلسل ثقافته إلى كلّ مرافق حياتنا الاجتماعيّة، يأتي على كلّ شيء، تنهار معه ثقافةُ الحوار والاختلاف والقبول بالآخر، ويغدو المجتمع مفتوحًا على الاحتمالات كلّها، وحينها يعيش السَّجَّانُ والسجين في رعب وخوفٍ كبير، ويصبح السِّلْم الاجتماعيّ استثناءً وشذوذًا، وها هي تلك الثقافة تتمرّد على الواقع وتتخطّى حدود الأعراف الاجتماعية والأكاديميّة وتعتدي على القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة، وتلحق الأذى الماديّ والمعنويّ بالوطن برمته، وان كان من تحية فهي لمن يحرصون على العطاء والانتماء والدفاع عن جامعاتنا وسمعتها الاكاديمية والعلمية .
mohamadq2002@yahoo.com