ثمة اسئلة غيابها يعني ان السؤال عن المستقبل مجهول ومحير. ومن الاسئلة الغائبة في غمرة العام الاردني، اين القوى الناعمة الاردنية، ولماذا لا يجري تجديدها؟ ويبدو ان القوى الناعمة تعرضت الى المحو والتآكل والاختفاء، والحديث عن القوى الناعمة اصبح من باب الندب وناستولوجيا، ونبش في الذاكرة، وجلب الموروثات.
لماذا تراجع المثقف والمفكر والسياسي؟ لربما ان هذا الحال ليس اردنيا فحسب، بل ينسحب على عالمنا العربي دون استثناء أي بلد، الثقافة والفكر والمعرفة وفاعليها تراجعت.
ولو حصرنا فضاء السؤال اردنيا، فثمة ما يوجب المراجعة والتحليق في السؤال بالبحث عما اصاب الثقافي والفكري، وان كنت اميل هنا الى طرح السؤال بمعزل عن السياسي المتخم والمثقل بالتابوهات والازمات العصية.
مصطفى وهبي التل «عرار» تصدر المشهد الثقافي العام في الاردن في عهد الامارة وولدت الدولة الاردنية. وبقدر كبير من الحرية المقيدة انذاك قدم عرار نصا ادبيا اعتراضيا ورافضيا وخاصم السلطة، واشتبك مع القوى الكلاسيكية في السلطة والمجتمع، وهاجم اتون الفساد، وقلاعه المحصنة.
وكان عرار بانيا لمشروع وطني اردني، واول من نطق بالهوية الاردنية، وأرخها بالكلمة شعرا ونثرا. روح الشخصية الاردنية شكلها عرار، وطرح سؤالا اشكاليا مبكرا في السياسة والثقافة الاردنية، من هو الاردني؟
عرار دافع عن الحرية والعدالة الاجتماعية، وكان من الطليعين الاردنيين الذين طالبوا بتعليم وخدمة صحية مجانية. وليس من الصدفة القول ان سياسيين اردنيين عرفوا بنهجهم الاصلاحي الاقتصادي والاجتماعي الوطني كانوا متاثرين بافكار واطروحات عرار، وتبنوها في مشاريع وبرامج اصلاح الدولة والبيروقراط، ومأسسة علاقة الفرد والمجتمع بالدولة.
في خمسينيات القرن الماضي، وما بعد تعريب قيادة الجيش. والانتقال الى السؤال المركزي في تاريخ الاردن الحديث، وفحواه، اي اردني نريد، اردن ديمقراطي اجتماعي، واردن بلد قانون ومؤسسات؟ فالمعادلة بنيت بصراعية بين قوى تقليدية وقديمة وقوى حملت اطروحات لتغيير المعادلة الاجتماعية والسياسية. وكان هناك حكومة برلمانية في 58 لسليمان النابلسي، وبرلمان منتخب، وديمقراطية جنينية تنشأ وسط اقليم تغزوه الانظمة السياسية الشمولية.
القوى الناعمة مفقودة اردنيا. وثمة من لا يفرق بين القوى الناعمة والعدمية والفوضوية التي تنتجها وسائل التواصل الاجتماعي، منظري اللايف والفيس بوك من لم يقرأ في حياته جريدة او كتابا في ادب الاطفال.
القوى الناعمة في كل بلدان العالم المحترمة والمتقدمة هي التي تفرش الارضية امام اي تحول سياسي واجتماعي. وحتمية الانقياد وراء العقل والحكمة والعقلانية.
كثير من المؤسسات الثقافية والفكرية والاكاديمية، والفنية وجودها رمزي بالهيكل والاطار. ومهرجانات ونشاطات ثقافية وفنية وغيرها تتكسب وجودا وحضورا بأعداد الدورات وتعداد السنين. يستحيل الحديث عن تقدم وتطور، واصلاح دون احياء القوى الناعمة.
(الدستور)